أخبارأخبار الرئيسيةسياسةمقالات الرأي

سهولة تسلل مغربي داخل جزيرة ريفية تحتلها إسبانيا، يكشف حقيقة صفقة “الصحراء الغربية مقابل المدن والجزر الريفية المحتلة”.

بعد أن شاهد العالم بأسره تلك الموجات الهائلة من أعداد المهاجرين الذين دفع بهم حكام المغرب نحو سبتة ومليلية (المدينتين الريفيتين المحتلتين منذ قرون) للضغط على حكام إسبانبا مقابل تقديم تنازلات في ملف الصحراء الغربية منذ قرابة عام مضى.

ومع افتراض تشديد الحراسة العسكرية الإسبانية على باقي الثغور المحتلة من جزر صغيرة قريبة من شواطئ الريف (بل ويلتصق بعضها باليابسة مثل جزيرة بادس) لمنع تدفقات المهاجرين نحوها، باعتبارها نقطة العبور نحو الأراضي الإسبانية.

وبما أن الصيادين في السواحل الريفية (وكذا هواة السباحة والألعاب المائية) قد اعتادوا سماع صرخات الجنود الإسبان وهم يحذرونهم ببنادقهم الرشاشة إن اقتربوا لأكثر من 50 متراً نحو الجزيرة، رغم تواجد الجزيرة قرب “شاطئ اصفيحة” وتموقعها المتوغل وسط المياه الريفية لخليج النكور.

فقد تفاجأ الرأي العام الريفي بنشر شريط فيديو على اليوتيوب لسائح مغربي يتسلل سباحة نحو جزيرة النكور المحتلة، وذلك من المحاولة الأولى وبلا أي تجربة سابقة (فهو مجرد فتى مدني عادي يصنع حلقات لقناته اليوتيوبية الخاصة)، حيث يظهر في الشريط وهو يتجول داخل الجزيرة بكل طمأنينة في واضحة النهار لمدة غير يسيرة، في غياب أي حراسة إلى أن غادر من تلقاء نفسه!

تتزامن سهولة تسلل هذا المغربي (الذي يزور إقليم الحسيمة لأول مرة) إلى داخل الجزيرة “الإسبانية” البعيدة عن “شاطئ اصفيحة” بحوالي 800 متر، مع توقيت نشر الجريدة الرسمية الإسبانية لاتفاقية “التعاون الأمني و مكافحة الهجرة غير النظامية” المٌبرَمة مع حكام المغرب والتي دخلت حيز التنفيذ في 30 أبريل المنصرم.

هذه الاتفاقية التي سبق وأن وقعها حكام المغرب مع نظرائهم الإسبان أوائل سنة 2019، كان قد تم تعليق العمل بها منذ ذلك الحين بعد أن عانى الإتحاد الأوروبي من ابتزازات حكام المغرب (عبر ملفات: الهجرة، الإرهاب، التعاون الأمني، إغلاق المعابر، إضافة إلى ورقة بلاد كاطالونيا) مقابل دعم “المقترح المغربي” حول الصحراء الغربية.

فورقة الهجرة غير النظامية مثّلت ورقة رابحةَ للإبتزاز ولممارسة الضغط على المفوضية الأوروبية بشأن الصحراء الغربية، حيث ظل المغرب في منظار الإتحاد الأوروبي بمثابة الدركي الذي يحمي الحدود الأوروبية من الهجرة السرية والتهريب مقابل الدعم وتصنيف الشراكة المتقدمة. غير أن حكام المغرب لم يرتقوا يوماَ إلى مستوى الدور المطلوب منهم، بل تسببوا في زيادة تعقيد الأوضاع مقابل الاغتناء الغير الشرعي والفساد المتشابك.

كما صارت إسبانيا وأوروبا على معرفة واضحة بمخاطر استعمال هذا الشق من التنسيق الأمني على مستوى الحدود مع شريك غير متّزن مثل المغرب، إذ رأى نائب رئاسة المجلس الأوروبي “جوزيب بوريل” في حينه (عقب استدعاء المغرب لسفيرته من مدريد حول “ملف غالي”) وبعد تفاقم الأزمة أنه “لا أحد يستطيع ترهيب أو ابتزاز الإتحاد الأوروبي في ملف الهجرة” (في الأول من يونيو 2021).

ولعل القرار الذي اتخذه حكام إسبانيا في 18 مارس 2022 (دون التشاور مع الأحزاب والمنظمات الحقوقية الإسبانية ولا التفاوض معها) والذي أفضى إلى مغامرة إسبانيا بتعديل موقفها جذرياَ حول ملف الصحراء الغربية لتدعم علناَ مقترح الحكم الذاتي المغربي، لهو خير دليل على أن المصالح الإستراتيجية الحقيقية لدى حكام إسبانيا هو الحفاظ على مناطقها المنتزعة من تراب ومياه بلاد الريف (مدينتي سبتة و مليلية و جزر بحر ألبوران) وليس منافسة حكام فرنسا حول ثروات الصحراء الغربية.

إذ اعتبر رئيس الوزراء الإسباني “بيدرو سانشيز” بأن هذا القرار وعلاقته بمصير المدن و الجزر الريفية المحتلة “لا يجب النظر إليه من خلال الربح والخسارة أو مكاسب تهم العلاقات السياسية والتعاون الأمني فقط”، بل هو “قرار دولة” وِفق ما أكده في الندوة الصحفية التي عقدها بالرباط يومه الخميس 7 أبريل 2022، بقوله “أنه لا مجال للشك في السيادة الوطنية للتراب الوطني الإسباني، بما في ذلك سبتة ومليلية”!

ولكي تتم صفقة “الريف للإسبان مقابل الصحراء الغربية للمغرب”، عمد حكام المغرب إلى تمثيلية إحباط مئات محاولات الهجرة خلال الأشهر الأخيرة، مما أدى إلى انخفاض تدفق فيضان المهاجرين حسب إحصائيات الهيئات الأوروبية (رغم ارتفاع عدد طالبي اللجوء الهاربين من المغرب حسب نفس الهيئات)، لإظهار مدى “التزام المغرب بلعب دوره دركياَ للضفة الجنوبية المقابِلة لأوروبا”.

آنذاك، أوردت وكالات الأنباء (في الأول من يونيو 2021) حجم الدعم والخدمة التي يقدمها حكام المغرب للاتحاد الأوروبي من خلال التصريحات التي ألقاها وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بقوله : “سِجِلٌّنا معروف جيداَ، فقد أجهض المغرب 14 ألف محاولة هجرة سرية على مدى 3 سنوات، وقام بتفكيك أكثر من 8 آلاف خلية لتهريب البشر، وأجهض 80 محاولة اقتحام لمدينة سبتة، وتبادل أكثر من 9 آلاف معلومة عن الهجرة السرية مع إسبانيا”.

ويبدو أن هذه الأرقام التي يقدمها حكام المغرب، لإبراز دورهم في تشديد المراقبة وحراسة الحدود مع سبتة ومليلية ومنع تسلل المهاجرين الأفارقة إلى الجزر القريبة من السواحل، قد “طمأنت” الجانب الإسباني خصوصاَ وأن التوافقات الأخيرة تقتضي امتناع حكام المغرب بشكل قطعي عن استعمال “ورقة الهجرة نحو المدن والجزر الريفية المحتلة”.

فقد كانت جزيرة النكور إلى غاية الأمس القريب تحت حراسة عسكرية إسبانبة مشددة، خصوصاَ بعد أن عبّرت حكومة مليلية مراراَ عن مخاوفها من “أن تصبح الجزر المحتلة نقطاَ أساسية لعبور المهاجرين نحو الأراضي الإسبانية”.

كما اعتاد أهالي المناطق الريفية المحاذية للجزر المحتلة رؤية أفواج المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء، بعد ضبطهم متسللين سباحةَ إلى الجزر التي تبعد سوى بضع أمتار عن اليابسة بٌغية الإعتصام بها من أجل ترحيلهم نحو إسبانبا لاستكمال إجراءات طلب اللجوء، (اعتادوا رؤيتهم) وهم يٌطردون من الجزيرة ويتمّ تسليمهم بطرق غير قانونية إلى القوات المغربية من إجل إعادتهم قسراَ نحو أوطانهم أو تفريغهم على الحدود الجزائرية أو الموريطانية.

إلا أن تسلل هذا السائح المغربي إلى جزيرة النكور نهاراَ و الطواف حول الجزيرة و التجول بأرجاءها مع تصوير المرافق والآليات، يكشف مدى تراخي المكلفين بالحراسة على الجزيرة، وهو ما يفضح أيضاَ غياب أوامر عسكرية بتشديد الحراسة لاطمئنان القيادات العسكرية الإسبانية و تأكّدهم من التزام حكام المغرب بجانبهم في المساومة التي تمّ التوافق حولها، أي عدم الدفع بشبكات التهجير نحو المدن والجزر الريفية المحتلة مع إحباط محاولات هجرة الريفيين نحو شواطئ الأندلس.

لذلك، يصرّ الرأي العام الريفي على رفض و فضح هذا القرار الذي اتخذه حكام المغرب مع نظرائهم الإسبان على حساب أراضي “اريف” و منطقته البحرية، دون تشاور مع أهالي الريف ولا اعتبار لتشابك مصير شعوب ضفتي بحر ألبوران، واعتباره قراراَ انتفاعياَ لن يزيد إلا من تعقيد مستقبل المنطقة ومن تأزيم الأوضاع الداخلية بكلّْ من الضفتين على حساب اغتناء عٌتاة المفسدين من حكام المغرب وزبنائهم الإسبان.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: