أخبارأخبار الرئيسيةأخبار دولية

ردا على وثائقي الـ”BBC”… إسبانيا تنفي وقوع ضحايا ضمن مجال نفوذها خلال “مجزرة مليلية”، وحكام المغرب يلتزمون الصمت مقابل الدعم المالي الأوروبي.

مباشرة بعد الانتشار العالمي لوثائقي قناة “بي بي سي” الذي يورد ضمن الحقائق التي توصل إليها أن بعض الضحايا لقوا حتفهم على الجانب الإسباني، خرج وزير الداخلية الإسباني “فرناندو غراندي مارلاسكا” يومه الإثنين لينفي تسجيل ضحايا على الجانب الإسباني أثناء “مجزرة مليلية” في يونيو 2022؛ وقال الوزير بدون أي وازع أخلاقي “لم تحدث أي وفاة في الأراضي الإسبانية”.

□ أدلة صادمة:

كشف هذا ~الوثائقي~ المبني على البيانات والصور (تم إنتاجه لبرنامج “Africa Eye” في “بي بي سي”) عن تفاصيل هذه المجزرة البشعة في حق إخواننا المهاجرين الأفارقة، وقام بتوجيه اتهامات خطيرة ومباشرة ضد الحكومتين الإسبانية والمغربية.

فقد سلط الوثائقي المعنون “موت ودماء على الحدود” الضوء ليس فقط على أوجه القصور المختلفة من جانب السلطات المحلية في واقعة الرابعة والعشرين من يونيو 2022، ولكنه يشير أيضاً إلى أن حكومتي إسبانيا والمغرب تصرفتا عن سبق إصرار وترصد بطرق أدت إلى تدافع وعنف أسفر عن مقتل وإصابة واختفاء العديد من المهاجرين وطالبي اللجوء.

تقول الأرقام المغربية الرسمية أن 23 شخصاً لقوا مصرعهم في ذلك اليوم، في حين قدر خبراء الأمم المتحدة عدد القتلى بـ 37 شخصاً، فيما تقول “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” إن 77 شخصاً على الأقل إما لقوا مصرعهم أو فُقدت آثارهم. بينما اعتبر الذراع الحقوقي للعصابة الحاكمة بالمغرب (CNDH) أن سبب الوفيات هو “الاختناق المكانيكي”، وهو حالة نقص حاد في الإمداد بالأكسجين إلى الجسم، [يعني أن استخدام أحدث الوسائل والأسلحة المهداة من طرف أوروبا لدركيها في الجنوب من أجل القمع العنيف والرفس الشديد كان] هو السبب الرسمي للوفاة.

كانت حصيلة القتلى هي الأعلى على الإطلاق في محاولات العبور إلى الأراضي الأوروبية برا من إفريقيا، والتي تحدث عدة مرات سنوياً في مليلية وكذلك في جيب إسبانيا الآخر على أراضي الريف، ثغر سبتة.

بالإضافة إلى عدد لا يحصى من الوفيات التي تم توثيقها، تُظهر اللقطات المستخدمة في الفيلم أيضاً عشرات المهاجرين يتعرضون للضرب بالعصي، كما تم تقييد أيدي عدد كبير منهم خلف ظهورهم وتم طرحهم أرضاً، ووجهت إليهم إهانات وشتائم.

□ اتهامات خطيرة:

يجمع الفيلم الوثائقي “العشرات من مقاطع الفيديو سواء من الكاميرات الرسمية أو من جانب مستخدمين عاديين”، ويدعمها بمجموعة كبيرة من البيانات والخرائط الجغرافية إضافة إلى العديد من روايات شهود العيان، ويرسم صورة مروعة لما حدث في ذلك اليوم.

في غضون ذلك، لم تتم إعادة جثث هؤلاء المهاجرين إلى عائلاتهم. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أنه بحسب مصادرها، لا تزال جثث من ماتوا في ذلك اليوم محتجزة في مشرحة في مدينة الناظور الريفية الواقعة على بعد 15 كيلومتراً جنوب الجيب الإسباني.

من ناحية أخرى، قال عمر ناجي، نائب رئيس جمعية (AMDH)، إن فريق العمل الخاص بالجمعية شهد قيام السلطات في الناظور بحفر 21 قبراً. وقال ناجي: “أرادت السلطات دفن الجثث دون إجراء التحقيقات اللازمة ودون تحديد هويتها”.

□ عنف وسوء معاملة:

بالإضافة إلى الكشف عن تفاصيل التدافع، يعرض الفيلم الوثائقي أيضاً بالتفصيل ما حدث لعشرات المهاجرين الآخرين الذين كانوا لا يزالون خارج المنطقة الملاصقة للأسوار. يظهر المهاجرون وهم ملقون على الأرض وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم، بينما يضربهم رجال البوليس والدرك الملكي المغاربة بشكل عشوائي.

وقال شاهد عيان مجهول نجا من الحادث، إن المهاجرين المكبلين كانوا ملقون بين الجرحى والقتلى. وقالت هيئة الإذاعة البريطانية إن الناجين “قالوا إنهم لم يتلقوا رعاية طبية وأن قوات الأمن منعت المسعفين من مساعدة الجرحى”.

بعد ساعات من الواقعة، تم إرسال المهاجرين إلى المدن المغربية الرئيسية في حافلات مستأجرة نقلتهم مئات الكيلومترات. يسلط أحد شهود العيان الضوء على وفاة مهاجر مصاب خلال الرحلة التي استمرت لساعات.

□ الإعادة القسرية إلى المغرب:

في نهاية المطاف، تغلب العنف المفرط للسلطات المغربية على غالبية المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى مليلية، فيما تم توثيق العديد من حالات التعدي الوحشي على المهاجرين في الفيلم الوثائقي.

ومع ذلك، يُفترض أن مئات المهاجرين قد تجاوزوا الأسوار والجدران ودخلوا الأراضي الإسبانية بشكل أو بآخر. لكن 133 فقط من هذه المجموعة تمكنوا رسمياً من تقديم طلبات لجوء في إسبانيا، وفقًا للمعلومات التي حصلت عليها بي بي سي من وزارة الداخلية الإسبانية.

تشير أدلة الفيديو التي تم عرضها في الفيلم الوثائقي إلى أن حرس الحدود وقوات الأمن المغربية – والتي عبرت الحدود إلى داخل الأراضي الإسبانية أثناء مطاردتهم للمهاجرين – قامت بإعادة بعض المهاجرين إلى داخل الأراضي المغربية.

تعتبر هذه الإجراءات بمثابة مخالفة للقانون الدولي وهي ممارسة تعرف بالصدّ أو الإعادة القسرية، والتي تحرم طالبي اللجوء من فرصة تقديم طلباتهم على الرغم من وجودهم في المنطقة التي يرغبون في طلب اللجوء فيها.

قال أحد المهاجرين لفريق بي بي سي الذي أجرى التحقيق في الأحداث إنه بعد إعادته إلى السلطات المغربية، تعرض للضرب حتى فقد وعيه لساعات.

□ أرض عازلة لا يسيطر عليها أحد:

دافعت الحكومتان الإسبانية والمغربية عن الإجراءات المتخذة في 24 يونيو 2022، وقالتا إنهما كانتا تحميان الحدود فقط وتقولان إن المهاجرين أظهروا علامات عنف.

في الفيلم الوثائقي، شوهد العديد من المهاجرين وهم يحملون العصي؛ لكن أحد شهود العيان أوضح أن هذه العصي كان الغرض منها استخدامها لتسلق السياج الحدودي -كما هو معروف ومعتاد- وليس لمهاجمة الحراس أو المدنيين.

وبحسب الفيلم، سعت الحكومتان أيضاً إلى الإفلات من العقاب فيما يتعلق بالوفيات، حتى أن إسبانيا قالت إن الأحداث وقعت في “تييرا دي نادا” او “no man’s land”- والتي تُترجم على أنها “أرض لا تخضع لسيطرة أي جهة/أرض عازلة أو منزوعة السلاح”.

من جانبه، حاول النائب الإسباني “جون إناريتو” خلال جلسة برلمانية الضغط على وزير الداخلية الإسباني “فرناندو غراندي مارلاسكا” للإجابة على ما يفترض أن يعنيه هذا المصطلح، حيث لا يوجد كيان من هذا القبيل بموجب القانون الدولي.

وينظر “إناريتو” إلى المنطقة التي دخل اليها المهاجرون وتمت إعادتهم إلى المغرب منها على “إنها أراض إسبانية.. هذا هو وضعها”، بحسب ما قال خلال الفيلم الوثائقي الذي يظهر أن ثلاثة من المهاجرين المتوفين كانوا يرقدون في الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسبانية عندما قضوا نحبهم. يعرض الفيلم الوثائقي أيضاً صورًاً لجثث يتم نقلها على بعد أمتار قليلة من الأراضي الإسبانية وإعادتها إلى المغرب.

□ انقسام أممي حول صيغة البيان:

نددت الأمم المتحدة باستخدام السلطات “القوة المفرطة” في الوقائع التي شهدها يوم 24 يونيو 2022، قائلة إنه أمر “مقلق لأنه لا توجد مساءلة ملموسة بعد أشهر” من الوفيات على الحدود.

وقال مكتب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية: “أصيب العشرات نتيجة الاستخدام المفرط والمميت للقوة من قبل السلطات المغربية والإسبانية”.

وشددت آلية الخبراء الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة (IIEM) على أن “اي استخدام للقوة من قبل مسؤولي إنفاذ القانون يجب أن يسترشد بمبادئ الشرعية والحيطة والضرورة والتناسب والمساءلة وعدم التمييز.”

ومع ذلك، وعلى الرغم من لغة الإدانة هذه، فشلت الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاق في مجلس الأمن بعد فترة وجيزة من مأساة مليلية. ورفض واحد على الأقل من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مشروع بيان بشأن وفيات المهاجرين يدعو إلى مزيد من التحقيقات، وذلك بسبب صياغة البيان المقترح.

يذكر أنه من أجل إصدار قرارات وبيانات ملزمة من قبل مجلس الأمن، يجب أن يكون هناك إجماع على هذا القرار.

□ ساعات من أدلة الفيديو لازالت مختفية:

في غضون ذلك، بدأت الحكومتان المغربية والإسبانية تحقيقاتهما الخاصة في مأساة ذلك اليوم. ومع ذلك، لم يكن أي من هذين التحقيقين مستقلاً عن إشراف الحكومة. في إسبانيا، تم إطلاق تحقيق منفصل أجراه أمين المظالم لاحقاً أيضاً، والذي لا يخضع لسيطرة الحكومة المباشرة.

وفي حين تم نشر عشرات مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي في أعقاب الحدث مباشرة، والتي تُظهر تعرض المهاجرين للضرب والإساءة اللفظية، لم تنشر أي من الحكومتين لقطات كاميرات المراقبة من أي من الكاميرات العديدة على طول الحدود.

قال أحد الناجين الذين تحدثوا في الفيلم الوثائقي إنه إذا كشفت السلطات عن هذه المواد كدليل، فسيتم الرد على الأسئلة المتبقية. وقال لبي بي سي إن “المنطقة الحدودية بأكملها في مليلية مغطاة بكاميرات المراقبة وهناك كاميرات على طول السياج بأكمله تقريباً وأيضاً في المنطقة التي حوصرنا فيها وتوفي البعض منا”.

في غضون ذلك، تدّعي وزارة الداخلية الإسبانية أنه “تم تسليم جميع تسجيلات الدوائر التلفزيونية المغلقة إلى القضاء الإسباني وأمين المظالم كجزء من تحقيقاتهما”. ومع ذلك، تبين فيما بعد أن هذا البيان خاطئ.

□ كذب الحكومة الإسبانية:

في أكتوبر الماضي، أصدر أمين المظالم الإسباني بعض النتائج الأولية لتحقيقه، مشدداً على أنه لم يتم توفير جميع لقطات الدوائر التلفزيونية المغلقة والتي كان يفترض إتاحتها للمحققين. كما ذكر الديوان أن محاولات إسبانيا السابقة إنكار عمليات الصد المزعومة لمئات من طالبي اللجوء المهاجرين كانت هي أيضاً محاولات غير صحيحة من الناحية الواقعية.

قال أمين المظالم إن 470 مهاجراً أعيدوا عبر الحدود. في حين لم يتم الكشف حتى الآن عن تفاصيل ما إذا كانت أي قوات إسبانية قد شاركت بنشاط في عمليات صد وإرجاع المهاجرين إلى المغرب، فمن الواضح أنها فشلت مع ذلك في السماح للمهاجرين الذين وصلوا إلى الأراضي الإسبانية بتأكيد حقهم في تقديم طلبات اللجوء.

ورداً على الفيلم الوثائقي الذي بثته هيئة الإذاعة البريطانية، نفت الحكومة الإسبانية الإثنين على لسان وزير داخليتها “فرناندو غراندي مارلاسكا” تسجيل ضحايا على الجانب الإسباني، مؤكدا على أنه “لم تحدث وفيات” في مليلية أثناء هذه الأحداث.
إذ قال “فرناندو غراندي مارلاسكا” للصحافيين خلال زيارة ل”كوينكا” (وسط شرق إسبانبا): “لم تحدث أي وفاة في الأراضي الإسبانية”، وذلك بعد أسبوع من بث شبكة “بي بي سي” لهذا التقرير الذي يظهر بعض الضحايا ممن لقوا حتفهم على الجانب الإسباني.

وأكد الوزير مجددا دعمه لقوات الأمن الإسبانية التي تتعرض لانتقادات منذ وقوع المأساة، مؤكدا أنها “تصرفت بشكل قانوني تماما، على نحو متناسب و(حسب) الضرورة” في 24 يونيو، زاعما أنها صدت “هجوما عنيفا على الحدود” أصيب خلاله “50 حارسا مدنيا بجروح”.

وكان رئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي “بيدرو سانشيز” قد دعم بدوره وزير داخليته “مارلاسكا” الجمعة الماضية، واصفا إياه بأنه “وزير داخلية عظيم”، وأكد أنه “يحظى بثقته ودعمه الكاملين”.

أشارت “بي بي سي” في الأول من نوفمبر إلى شريط فيديو يظهر “ضحية واحدة على الأقل على المدخل” في النقطة الحدودية التي تفصل منطقتي النفوذ المغربية والاسبانية، وإلى “جثث أخرى أخرجتها قوات الأمن المغربية من هناك”.

وأشارت أيضا إلى تلقيها تأكيدا من السلطات الإسبانية بأن هذه المنطقة تقع “تحت إشرافها”.

غير أن وزارة الداخلية الإسبانية ردت على “بي بي سي” غداة نشر التقرير بالنفي الشديد، معبرة على “أنه من المخيب للآمال والمثير للدهشة” أن مثل هذه الاتهامات الخطيرة قد أثيرت “دون أي دليل”.
فردت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بكل احترافية على هذه الخرجة الإسبانية الشبه مغربية بالقول: “نحن نعتمد على معاييرنا الصحفية في تنفيذ عملنا”.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: