أخبارأخبار الرئيسيةسياسةمجتمع

استنزاف المياه.. حكام المغرب يستعينون بإسرائيل لتوفير مياه البحر للشرب، فيما يغتنون من تصدير مياه الريف والمغرب على شكل فواكه وخضراوات نحو الأسواق الخارجية

وقّع حكام المغرب مذكرة تفاهم جديدة مع إسرائيل، في مجال المياه، تهدف إلى خلق إجراءات عمل وتعاون بين الطرفين في مجالات تحلية مياه البحر.

□ اشربوا ماء البحر:

ونقل موقع “عكا” المختص بالشأن الإسرائيلي، في ترجمة لتقرير نشرته “القناة 7” العبرية، ذكرت فيه أن شركة المياه الإسرائيلية “Mekorot”، وقّعت مذكرة تفاهم هي الأولى من نوعها مع شركة المياه والكهرباء الوطنية المغربية، في مدينة مراكش في إطار منتدى الاستثمار العالمي المنعقد هناك.

وبموجب الاتفاق الجديد بين المغرب وإسرائيل، سيكون هناك بين الطرفين إطار تعاون مستقبلي في جميع أنحاء المغرب في مجالات مياه الشرب والصرف الصحي، لترافق الاتفاقية الموقعة بين الحكومة المغربية ونظيرتها الإسرائيلية في 22 ديسمبر 2020 بشأن ابتكار وتطوير موارد المياه.

ونقل التقرير عن المكتب الوطني للكهرباء والمياه المغربي، إشارته إلى أن مذكرة التفاهم، مع الشركة الإسرائيلية تهدف إلى خلق إجراءات عمل وتعاون بين الطرفين في مجالات تحلية مياه البحر.

كما أفاد أن المذكرة تهدف أيضا إلى تحسين أداء البنى التحتية لإنتاج مياه الشرب، وإدارة المرافق من خلال تطوير الأنظمة الرقمية والمعلومات الجغرافية، وجودة المياه وإدارة إعادة تدوير منتجات تحلية المياه من مرافق معالجة مياه الشرب ودمج التقنيات المبتكرة.

ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي لشركة المياه الإسرائيلية، قوله: “لقد فتحت اتفاقيات التطبيع آفاقاً تجارية جديدة ورائعة للشركة”.

وأضاف: “تعتزم ميكوروت اغتنام الفرص الجديدة من خلال العديد من الحلول لاقتصاديات المياه في الدول المجاورة والنائية، ومذكرة التفاهم الجديدة هي الأولى من نوعها”.ض

وكان المغرب وإسرائيل، قد وقّعا في شهر فبراير الماضي، اتفاقا للتعاون التجاري والاقتصادي، وذلك خلال زيارة وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية “أورنا باربيفاي” إلى المغرب.

□ التحلية تستهلك طاقة وأموال الشعب وتضر البيئة:

في مقابل تهافت حكام المغرب، نجد الجانب الإسرائيلي أكثر واقعية حين يتعلق الأمر بسياساتهم الداخلية، إذ نقرأ مثلا على موقع الوزارة الإسرائيلية لحماية البيئة:

《تتطلب عملية التحلية تقنيات تستهلك طاقة ومالاً بشكل كبير مخلفة آثارا ضارّة على البيئة.

قد تتسبب منشآت تحلية مياه البحر والمياه المالحة الأخرى في الأضرار خلال الإقامة والتشغيل منها استغلال المساحات على شاطئ وإلحاق الضرر بالمناظر الطبيعية والمواقع التاريخية وإلحاق الضرر بالبيئة البحرية إلى جانب الضوضاء الزائدة وزيادة استهلاك الطاقة واستخدام المواد الكيميائية وتخزينها.

يجب إنشاء المرافق لتحلية المياه في حدود منشآت قائمة ومناطق صناعية وتجنب إنشاء بنية تحتية جديد أو إنشاء خطوط بنية تحتية جديدة في المناطق الزراعية.

في إقامة مرافق تحلية مياه البحر يجب الابتعاد لمسافة 100 متر من خط المياه.

في حدود 100 متر من خط المياه يجب دفن خطوط البنية التحتية في عمق الأرض.

يتمّ الصرف إلى البحر من خلال مواقع الصرف القائمة أو من خلال أنبوب خاص في منقطة أنابيب بحرية.

يجب مراعاة عدم المس بمواقع ومنشآت قائمة على شاطئ البحر منها محميات الطبيقة ومواقع الرياضة البحرية وشواطئ السباحة ومناطق وجود الأحياء والنباتات النادرة في البيئة البحرية والموانئ والمرافق البحرية》.

وبالفعل، تتطلب عملية التحلية تقنيات تستهلك طاقة ومالاً بشكل كبير مخلفة آثارا ضارة على البيئة. فتعتبر استهلاك الطاقة في عملية التحلية من المشاكل المهمة والعقبات الصعبة التي تحتاج إلى تذليل وهي من الأهداف التي يجري العمل عليها في المراكز العلمية والتي تركز على إيجاد بدائل ذات استهلاك أقل للطاقة وأكثر فاعلية وصديقة للبيئة.

يتنوع توجه العالم الحالي بين تحلية مياه البحر أو معالجة مياه الصرف الصحي والأمطار وإعادة استخدامها. فنجد أن أغلب معامل تحلية المياه تقع في الخليج الفارسي/العربي وليبيا بينما أكثر معامل المعالجة في مناطق متفرقة في العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة ودول أوروبا.

هناك مشاكل بيئية يجب النظر إليها عند النظر إلى تحلية المياه.د، فمجمل عملية التحلية تستهلك طاقة كبيرة والتي يحصل عليها من قبل حرق الوقود أو النفط أو استخدام الطاقة الكهربائية أو الطاقة النووية وبالتالي ترفع نسبة ثاني أكسيد الكربون أو مخافة مضاعفات التسريب النووي الإشعاعي.

أيضا من المشاكل البيئية هو مخلفات عملية التحلية وهو ما يعرف بالمحلول الملحي المركز والذي يزيد عند إلقائه في البحر كمية الأملاح الذائبة فيه وبالتالي يؤثر سلبا على الحياة البحرية. ويجب اختيار مكان الأخذ من مصدر المياه وكيفية ضخ المياه إلى معمل التحلية وذلك لأنها قد تزيد من الطاقة المستخدمة وكذلك اختيار مكان التخلص من الماء المركز بالملح حتى لا يؤثر تأثيراً ضارا بالأحياء المائية.

هناك مشاكل أخرى تتعلق بالمواد الكيميائية المستخدمة في عملية التحلية وهي إن زادت عن حدها فهي تسبب أمراضا على المدى البعيد.

وقد دعت مجموعات بيئية، في إسرائيل نفشها وغير ما مرة، مثل الاتحاد الإسرائيلي للدفاع البيئي، إلى وقف محطات تحلية المياه الجديدة، إلى جانب تلك الموجودة بالفعل في مراحل متقدمة من طرح العطاءات، ودعت إلى الحفاظ على المياه ومعالجة مياه الصرف وإعادة تدوير المياه الرمادية، وكذلك استخدام تقنيات البناء التي تسمح لمياه الأمطار بالتسرب إلى خزانات المياه الجوفية.

□ المغرب يصدر الماء الذي يفتقر إليه السكان على شكل فواكه:

نشرت جريدة “لوموند الفرنسية” مقالا مطولا عن أزمة المياه التي يعرفها المغرب، معنونة إياه ب ”المغرب يصدر الماء الذي ينقصه على شكل فواكه”.
وأشارت الصحيفة أنه من خلال تصدير الطماطم والبطيخ والفراولة والبرتقال، يبيع المغرب الماء الذي يفتقر إليه. مضيفة أنه في بلد يواجه جفافاً شديدًا، أصبحت صرخة الإنذار هذه أكثر إلحاحًا، خاصة من طرف الخبراء والناشطين والجمعيات البيئية، الذين يحذرون من عواقب الزراعة كثيفة الاستهلاك للمياه، والتي تتجه في الغالب نحو التصدير بدلاً من الاكتفاء الذاتي.

وتطرقت الجريدة للقرار الذي أصدره وزيرا الفلاحة والميزانية مؤخرا، والذي يضع حدا لدعم زراعة الحمضيات والبطيخ والأفوكادو، لدورها السلبي في الجفاف المستفحل في عدة مناطق، وبذلك لن يكون من الممكن الاستفادة من المساعدات للاستثمار في الري المحلي الخاص بهذه الفواكه، سواء من حيث حفر الآبار والضخ ومعدات التنقيط.

ويبقى الهدف حسب القرار إلى “إفساح المجال أمام محاصيل أخرى تستهلك كميات أقل من المياه، ولا سيما شجرة الخروب ، والصبار ، وشجرة اللوز والتين”.

واستقت الصحيفة تصريحا لسليمة بلمقدم رئيسة حركة “مغرب البيئة 2050″ أكدت فيه أن تأثيرا هذا القرار لن يكون كبيرا، خاصة مع وجود مستثمرين قادرين على إنشاء مشاريع تجارية بدون دعم، لأن الضيعات الفلاحية الكبرى التي تعتمد على هذا النوع من الفلاحات المستهلكة بقوة للمياه موجودة بالفعل، وتكفي لتجفيف كل شيء”.

وأكدت ذات المتحدثة في تصريحاتها للجريدة على ضرورة إجراء تغيير جذري في السياسات الفلاحية بالنظر إلى حجم الأضرار الموجودة حاليا.

وسجلت “لوموند” في ذات المقال أن الوضع في المغرب الذي يتعرض للجفاف المتكرر، ينذر بالخطر، في بتاريخ الخميس 6 أكتوبر الجاري، بلغ معدل ملء السدود 24٪ فقط، وفيما يقوم الفلاحون بحفر آبار أعمق للعثور على المياه، تتعرض جميع طبقات المياه الجوفية للاستغلال المفرط؛ علما أن البعض منها منهك في بعض الأماكن.

وعرضت الصحيفة تصريحا آخر لفؤاد عمراوي، أستاذ علوم المياه في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء، قال فيه إن نقص المياه يهدد حتى إمدادات القرى والبلدات والمدن بهذه المادة الحيوية، مما دفع بعض الجماعات إلى تقييد تدفق مياه الشرب.

وأضاف أن المغرب يعاني من “إجهاد مائي بنيوي”، حسبما ذكر البنك الدولي في تقريره حول الاقتصاد المغربي في يوليوز الماضي، مع وصول حصة الفرد من المياه إلى 600 متر مكعب من سنويًا، علما أن هذا المعدل كان يبلغ  2600 متر مكعب في عام 1960، وبذلك فإن الطلب على المياه يفوق بكثير الموارد المتاحة.

وأبرزت الصحيفة أن الملكية العلوية تواجه معضلة تتعلق بكيفية التوفيق بين نموذج زراعي مكثف يمثل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل به 40٪ من السكان النشطين، لكنه يستهلك 85٪ من الاستهلاك الوطني للمياه.

وتطرقت الجريدة لمخطط المغرب الأخضر، مشيرة أن هذه الاستراتيجية التي أطلقت سنة 2008 حققت نجاحا لا يمكن إنكاره، حيث نمى الناتج المحلي الإجمالي الفلاحي بنسبة 5.25٪ سنوياً ؛ وزادت الصادرات بنسبة 117٪ خلال هذه الفترة، وتم خلق ما يقرب من ثلاثمائة وأربعين ألف فرصة عمل، ومن ناحية ثانية، فقد زاد الضغط على موارد المياه.

من جهته، أكد محمد طاهر السرايري الأستاذ الباحث في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة بالرباط، أن المغرب انتقل من الاعتماد على فلاحة تقليدية تستند بالأساس على الحبوب والبقوليات ورعي الماشية، إلى مضاعفة المساحات المزروعة التي تعتمد على نظام الري بالتنقيط منذ نهاية العقد الأول من القرن الحالي ، مما أدى إلى “زيادة وليس تقليل الكمية الإجمالية للمياه التي يستهلكها القطاع الفلاحي، وذلك ما أكده أيضا البنك الدولي.

وأضاف “في الواقع تحول العديد من الفلاحين، بتشجيع من الدعم الحكومي وبغرض الانفتاح على الأسواق الدولية، لجعل الأراضي القاحلة قابلة للزراعة وتطوير إنتاج الفواكه والخضروات في غير موسمها وهو أمر مربح بالتأكيد، ولكنه يستهلك الكثير من المياه”.

وزاد ” تم الاعتماد على زراعة أشجار الحمضيات في المناطق التي لا يتجاوز فيها المستوى السنوي لهطول الأمطار 200 ملم ، بينما تتطلب هذه الأشجار 1000 ملم كحد أدنى، إضافة إلى زراعة بطيخ مكون من 95٪ من الماء في حدود الصحراء، وزراعة أشجار الأفوكادو وهي محصول استوائي رغم أن مناخ المغرب شبه جاف”.

وأكد ذات المتحدث في تصريحاته للجريدة، أن تطوير هذا النوع من الفلاحات المستهكلة للمياه تم بنفس منطق التعبئة المفرطة للمياه الجوفية لأن الأمطار لا تهطل بشكل كافٍ والري من السدود غير كافٍ أو غير موجود، وكل هذا حتى يتمكن المستهلك الأوروبي من شراء البطيخ المغربي في نهاية شهر مارس ، ولكن بأي تكلفة بيئية؟ وتكلفة اجتماعية أيضًا”.

وشدد السرايري  “على أن مخطط المغرب الأخضر أفاد بشكل كبير الفلاحين الكبار أما صغار المزارعين ، الذين لا يستطيعون تحمل التكاليف، فيضطرون إلى البيع والرحيل”.

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي ل “لوموند” أن السياسات الفلاحية التصديرية التي تم دعهما على حساب المحاصيل الغذائية التي تبلي احتياجات السكان ، مثل الحبوب والسكر وزيوت البذور، جعلت المغرب يستورد 100٪ من احتياجاته من الذرة ، و 98٪ من زيوت البذور ، وأكثر من النصف من القمح والسكر، ويوجد اليوم في حالة تبعية غذائية لم يعرفها من قبل، وهو اليوم يجرب عواقب ارتفاع الأسعار العالمية.

ولفت أقصبي أنه في عام 2020 ، تم إطلاق خطة فلاحية جديدة، هي الجيل الأخضر 2020-2030، والتي تتماشى مع الخطة السابقة، وتهدف إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي الفلاحي، ورفع الصادرات بحلول عام 2030، مع حديث عن اعتماد “المرونة” في مواجهة تغير المناخ ، و “الكفاءة البيئية”، و “مضاعفة حكامة المياه”، لكن يبقى السؤال هل تكفي هذه الوعود لحماية المغرب من العطش؟ لذلك لابد منه إعادة النظر في السياسة الفلاحية من الألف إلى الياء، فهل نحن على وشك القيام بهذا؟ مع الأسف لا أعتقد ذلك، يجيب أقصبي.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: