ثقافة وفنون

عادات وتقاليد حفل الزفاف بالريف

تتميز مراسيم حفلة الزفاف في الريف (الناظور) بطقوسها و عاداتها المختلفة عن عادات مناطق أخرى من وطننا ، وبين المناطق الريفية نفسها يمكن أن نلاحظ اختلافات خفيفة تميز كل منطقة على حدة .

وحفلة الزفاف في الريف تدوم ثلاثة أيام على الأقل ، وتتم في فصل الصيف خاصة ،وذلك بعد الإنتهاء من عملية الحصاد وجمع التبن وبنائه على شكل أكوام دائرية و تخزين الغلة من الشعير و القمح في أكياس خاصة أو في متمورات وهي خزائن أرضية تستطيع أن تحتفض على جودة هذه الغلة لسنوات عديدة ،وطلاء جدران المنزل بالجير الأبيض و تهيئ ما يتطلبه العرس من الفحم الخشبي للطهي من خلال إعداده بطريقة تقليدية تسمى بالأمازيغية “ركوشث”… وذلك من أجل منح هذه الحفلة ما تستحقه من الإهتمام .

و سنتناول بعض العادات و الطقوس التي يتميز بها العرس في الريف مع الإشارة إلى دور المرأة الريفية كفاعل أساسي و مهم في كل الوظائف الأساسية التي يرتكز عليها العرس من ما قبل بدايته إلى نهايته ،معتمدين في ذلك على مجموعة من الشهادات الحية من خلال روايات شفهية لمسنين عايشو مراحل ذهبية وظفت فيها هذه الطقوس بشكل قوي و منظم ،وهي شهادات مستقات من منطقة ” آيت سعيذ” بالشمال الشرقي للمغرب.

1 ـ لقاء :

يحاول الفتى الراغب في الزواج البحث عن فتاة أحلامه ، فيقصد الحقول حيث يتم جلب العشب و الرعي أو الغابة لجمع القش و الحطب أو العيون لجلب الماء ..حيث تلتقي فتيات المداشر المجاورة في شكل مجموعات،وهناك يتم تبادل نظرات الحب و الإهتمام العاطفي ، فيغرم الفتى بالتي يتمناها شريكة حياته ويتم كل هذا في حرص شديد تؤطره تقاليد صارمة تمنع اللقاءات الودية بين الرجال و النساء خارج الإطارات الشرعية لذلك ، وإذا حدث وأن علم البعض بهذه العلاقة التي يمكن أن ينتشر خبرها بفعل الوشات ومجالس النميمة بين الجميع ، فتعاقب الفتاة من طرف افراد أسرتها الذكور وذلك بتجريدها من مجموعة من الحقوق كإلتزامها المنزل وممارسة الأشغال الشاقة وتحريمها من زيارة الحفلات الأسرية .

2 ـ إستشارة :

في الخطوة الثانية يستشير الفتى أمه التي بدورها تناقش الموضوع مع زوجها ، و لا يتم العرس إلا بعد موافقة أب العريس ، بإعتباره المسؤول الأول عن تكاليف العرس المادية ، يقصد أب الفتاة أو وليها ويتم هذا خاصة في اليوم الذي ينعقد فيه السوق الأسبوعي ، فيسأله طالبا يد إبنته فلانة لأبنه فلان ،وإذا حدث وأن وافق على ذلك فإن تقاليد الزواج في الريف تقضي إلى أن لا تستشار المرأة في أمر زواجها أوأخذ رأيها في الموضوع الذي يهمها بالدرجة الأولى ، حيث يظل الأب مالك السلطة المطلقة وصاحب التصرف الأول و الأخير في أمر زواج ابنته .

وتحكي إحدى المسنات أنها لم تتعرف على زوجها ولم تشاهده من قبل إلا في اليوم الأول من زواجهما ، وذكرت بان زوجها كانت تربطه علاقة تجارة بوالدها.

3 ـ طقوس الخطوبة :

تقصد أم العريس وجدته وأهله من الإناث بيت الفتاة يحملن معهن قوالب من السكر وحلويات من الصنع التقليدي وبيض …و ذلك كل حسب إمكاناته المادية ، ويتفق الطرفين على قيمة المهر (الصداق) وغالبا ما يتكون من ألبسة و أفرشة تقليدية وحلي من الفضة محلية الصنع (وعرف الأمازيغ اليهود بمهارة بارعة في صياغة و صناعة الحلي الفضي )، و يعقبها كتابة عقد الزواج بحضور الزوجين و عدلين و تقرأ فاتحة الكتاب ، ثم تنتهي بالدعاء بالخير و البركة والحياة السعيدة للزوجين.

وغالبا ما يفصل بين الخطوبة و موعد حفلة الزفاف مدة زمنية قد تطول ، وفي هذه الحالة لا يكتب عقد الزواج وذلك تجنبا للقاءاتالودية الخارجة عن الإطار الشرعي بين الخطيبين.إلا بعد الإعلان العلني للزواج و هو العرس .

ـ مراسيم العرس
4) اليوم الأول من العرس:

في بيت العريس: ويسمى هذا اليوم بيوم ( أرحني أمزيان) أي الحناء الصغرى، حيث الفتيات من أقاريب العريس يقمن بإعداد الوليمة و تنظيم الغرف وتنظيف المحيط الخارجي للمنزل ..ويرافق كل هذه الأعمال أهازيج و رقصات غنائية أمازيغية تحمل في مضمونها القيمة الدينية و الإجتماعية للزواج ، و الأهم في هذا اليوم ما يصطلح عليه بالدفوع حيث يرسل العريس إلى منزل خطيبته ما تحتاجه إليه من جميع مستلزمات نفقة العرس ومن مظاهر الإبتهاج في هذا اليوم أن يزين عجل بسجادة و تخضب اجزاء منه بالحناء ، يقوده صبي يتصف بالشجاعة وذلك في موكب ترافقه أهازيج وأغاني ريفية تصحبها نغمات البندير و أصوات الأطفال و زغاريد النساء وفي كل لحظة يكبر الموكب الذي يضم إليه العديد من سكان الدواوير المجاورة.

ـ في بيت العروسة:

يستقبل أهل العروسة “الدفوع” بكل بهجة و سرور …في الداخل تجلس العروسة مع مجموعة فتيات عائلتها يتبادلن أطراف الحديث معها كي لا تشعر بألم الفراق الأسري ، و حولهن إمرأة من العادة ان تكون بكرا تقوم بدق الحناء في مهراز تقليدي الصنع ، يسمى بالأمازيغية “إيذيذي” ، وفي نفس الوقت تردد هذه اللازمة بإيقاعات لحنية معروفة و متوارثة:


أربي سمويمناس ،إثاسريث ذا يقيمن
حاربنت خاس لمالكاث ، ذ طاربا يقارن.(1)

وفي ليلة نفس اليوم تخضب العروسة بالحناء ومن العادات أن توضع الحناء في قصعة تتوسطها بيضة ويزين الكل بالشموع .

5ـ اليوم الثاني
ـ في منزل العريس:

في صباح هذا اليوم الذي يدعى بيوم الحناء الكبرى (أرحني أمقران) تذبح ذبيحة كثور أو عجل حسب عدد المدعوين وذلك من طرف أحد شيوخ القبيلة الملمين بأصول الذكاة ،والجو داخل المنزل يتسم بالحركة والهرج و المرج ، نساء يعدن طعام الغذاء أو العشاء وهن ينشدن أغاني و إيزران كل واحدة تظهر براعتها في فن الغناء التلقائي ،ومن المعروف عن النساء الريفيات أنهن شاعرات بالفطرة ، وتنشغل كل واحدة في مدح قريب لها بذكر محاسنه اوهجاء خصم لها بذكر مساوئه …

وفي ليلة نفس اليوم يقدم طعام العشاء للمدعوين ، بعد ان تم إستدعائهم في يوم الحناء الصغرى ، يدخل الرجال من باب منعزلة عن المنزل بهوا مفروشا ، يجمعهم الحديث و الثرثرة عن إنشغالاتهم اليومية وخاصة ما يتعلق بالأمور الفلاحية و التجارية و ضمنهم فقهاء من حفضة القرآن الكريم يتلون من حين لآخر آيات من الذكر الحكيم .

والنساء المدعوات يجتمعن في بيت مخصص لهن داخل المنزل ، وعند الإنتهاء من تناول وليمة العرس تبدأ ما يسمى بالفرجة و ذلك مع أغاني إمذيازن ـ فرق غنائية أمازيغية ـ الممزوجة بزغاريد النساء ونغمات المزامير و البنادير.

ويعمل أفراد هذه المجموعات الغنائية ـ إمذيازن ـ على جمع غرامات نقدية من الحضور، و يمدح رئيس المجوعة كل من أدى للفرقة هدية نقدية وذلك في إستعراض رائع لمجموعة من القصائد الشعرية المغنات ويطلق عليها “أباراح” ،بهدف تشجيع المدعوين للمساهمة أكثر ، و بين أيدينا نموذجا منها يقول:

ذي رخضار ن رخوضار
ذي رخضار ن تسكورث ذ أرقم نس
ذ و يارزيز ذ رافساست نس
ذ واشن ذ تيغيث نس
ذي رخضار ن رخوضار
ذي رخضار ن رجروف
رجروف إنويوار
نويوار إيثزيزوا
ثيزيزوا إيثامنت
ثامنت إيثنيبا
ثينيبا إريمحيبث جار ؤراون نغ

وفي آخر المقاطع يذكر “البراح” بالإسم الكامل ، الشخص الذي قدم الهدية و ذلك تشجيعا للحضور للإنخراط أكثر في هذا الجو الفرجوي .

وفي نفس اليوم يلبس العريس (موراي) جلبابا ابيض وسلهام فتضع له أخته خاصة حناء على كفيه بعد أن يجلس على أريكة وبينه صبيتين تحمل كل واحدة منهن شمعة ، ومن الطقوس أن يقوم بالضرب على حائط بيته بواسطة كفه المحناة لإعتقادات موروثة معقدة الفهم لاتزال حية إلى اليوم.

في منزل العروسة:

نفس الشيء يحدث تقريبا ، و الأهم في هذا اليوم أن تزين العروسة بالكحل و السواك و يمشط شعرها و يعطر بعطور مختلفة تقليدية أشهرها (النفقث) ،وكالعادة يصحب هذه العادات أنغام مختلفة . وتقوم امرأة كبيرة السن معروفة بالصدق وحفض الأمانة و حسن السلوك بجمع ما يسمى بالغرامات (رغرامث) من المدعوات حيث تقدم هدايا نقدية و عينة . الهدايا العينية تستفيد منها العروسة و أما النقدية فتستفيد منها أم العروسة…

6 اليوم الثالث
ـ في بيت العريس :

ويسمى هذا اليوم بزف العروسة ، حيث يزين فرس قوي شهم وذلك بسرج وتوضع فوقه سجادة من الحرير ، يقوده صبي شجاع ووراءه موكب ضخم من أهل القرية نساء و رجال وفتيان …تتعالى أصواتهم سماء القرية مع زغاريد النساء قاصدين منزل العروسة.

ـ عند العروسة:

في هذا اليوم تهتم أخوات و قريبات العروسة بتزيينها فيلبس لها إيزارا أبيض اللون وتحلى بحلي من الفضة وبشتى أنواع الزينة التقليدية المعروفة عند القبائل الريفية (خلاخل،ثيمريسين،ثيسغناس…) وفي نفس اليوم تتخلله أغاني “رلا بويا” الأمازيغية ذات طاقة رمزية و تأثيرية ، تحمل معاني عن الآم الفراق وعن السعادة الزوجية،وبعد ذلك تخرج العروسة بعد أن تضع على رأسها خمارا يحجب جميع جسدها يسمى ( أرقوبث)، ومن التقاليد أن يقودها ابوها خارج المنزل حيث موكب العريس في الإنتظار ، فيساعدها الأب على إمتطاء الفرس.
ويعود الموكب مرة أخرى الى منزل العريس و الجو نفسه مليء بمظاهر الفرحة و الإبتهاج ، وعند وصولها الى منزلها الثاني تجد في إستقبالها أم العريس ..تقوم العروسة برمي خليط من الكسكس و عينات من السكرالصلب و الحلويات على ذلك الحشد من المدعوين ومن المعتقدات المتوارثة يذكر أنه من حصل على قطعة من سكر او الحلوى ستفتح له أبواب الزواج قريبا وإن كان متزوجا فإنه سيعيش حياة سعيدة .

وفي نفس اليوم يقوم مجموعة من الفتيان المعروفين بصوتهم القوي بطقوس “الرايزيق” فيلتفون بشكل دائري حول العريس وهم يرددون في صوت قوي مرتفع مايلي:

سبحان الخالق سبحان الرازق
سبحان الباقي بعد الخلائق
أرحمنا يا الله وارحم والدينا
هما ربونا و ارضاو علينا
ارحمنا يا الله وارحم جدودي
جدودي يفنى تحت اللحود
ارحمنا يالله و ارحم شبابي
شبابي يفنى تحت التراب
كلام الله حقا نقول
و ما محمد إلا رسوله
كلام الله حقا علينا
و ما محمد إلا نبينا
كلام الله حقا محقق
وما محمد إلا مصدق (2)

في نفس الليلة يختلي الزوج بزوجته ، فيعرض على أهل العروسين خرقة أو منديل من ثوب أبيض ملطخ ببقع من دم الإفتضاض ، وغالبا ما تتأكد إمرأة ذات تجربة من أهل العريس من صحة الدم و بعد التأكد من ذلك تطلق النساء زغاريد مسموعة للإعلان عن شرف و عفة العروسة و كذلك الإفتخار بفحولة العريس ، وغالبا ما كان الرجال يعلنون بذلك عن طريق اطلاق بنادق من فوهات اسلحتهم النارية التي كانوا يستخدمونها في الصيد ، ويذكر التاريخ أن عبد الكريم الخطابي زعيم ثورة الريف التحريرية أمر بمنع ذلك في عموم أنحاء الريف وذلك من أجل الحد من التبذير في إستخدام السلاح و الذخيرة ، في الوقت الذي كانت فيه المقاومة في حاجة ماسة إليه ، ومن المؤكد أن إستخدام و تفجير المفرقعات بدأ استعمالها منذ هذه الفترة عوض اطلاق الأعيرة النارية ، وكانت تتسرب عـن طريق التهريب من مدينة مليلية المحتلة.

وهكذا تنتهي حفلة العرس بتأسيس عش أسري جديد إلى جانب أسر أخرى ، اذ غالبا ما يتزوج جميع الأشقاء الذكور في منزل مشترك.

ـ خاتمة :

من الطبيعي عند قبائل الريف أن توظف جميع عاداتها وطقوسها بترتيب و إتقان محكمين ، ومساهمتنا هذه التلميحية أشارت إلى بعض من هذه التقاليد إلا أن هناك أشياء أخرى تستوجب الدقة في الوصف لما تحمله من مظاهر ذات صبغة معقدة الفهم وصعبة التناول لاتزال حية الى يومنا هذا ، وضمن هذه المنظومة الطقوسية و الإعتقادية نرى أن الموروث الثقافي والتاريخي و الأعراف الإجتماعية و الدينية .. المتداولة في مثل هذه المناسبات الإحتفالية أصبحت بمرور الزمن مسلمات لا يجوز الإعتراض عنها . وهذا هو السر في بقاء جزء مهم منها متداول حتى اليوم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:

1) ـ ترجمة للبيت الأمازيغي:

يا ربي بارك لهذه العروسة الجالسة
ترفرف عليها بركة الملائكة و مدائح الفقهاء.

2) هذه اللازمة أدرجها الأستاذ الحسين القمري في كتابه “إشكاليات وتجليات ثقافية بالريف” ـ كتاب مشترك ـ .وهي تقال في قبائل قلعية و تكاد تكون نفسها في عموم الريف .

حقوق الصورة ل Saber Tayebioui

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: