تاريخ

“برج البشير”.. من أبراج المراقبة القديمة برأس كبدانة.

للأبراج تاريخ عريق بمنطقة كبدانة، إذ كانت تشيد من قبل السكان لغرض منع قراصنة البحر من النزول الى الساحل لسرقة أغراضهم ومنتوجاتهم الفلاحية.

وكانت جزر ichfaren (القراصنة) أو chafarinas كما يسميها ألإسبان، تعتبر موطنا ومعقلا لهذه المجموعات منذ زمن بعيد، ووظيفتها كانت تتجلى في مهاجمة السفن التجارية المحملة بالبضائع للإستفادة من الغنائم أو لفرض إتاوات على ربان هذه السفن للسماح لهم بالمرور الى وجهتهم المقصودة خاصة المتجهين نحو شمال الجزائر وطرابلس…

ويحكي الرواة وبعض المؤرخين، أنه كان في حال تعرض القراصنة لمقاومات متتالية من قبل حراس السفن يلجأ هؤلاء الى غزو ساحل المتوسط قبالة بلدة كبدانة، للبحث عن المؤن والطعام، ما كان سببا كافيا لأهالي المنطقة في بناء هذه ألأبراج ليتصدوا لأي هجوم محتمل من طرف هؤلاء أو من قبل غيرهم…


ومن بين الأبراج التي ذكرت في الرواية التاريخية نجد
” برج البشير “” Bordj el Bachir”، وسمي بهذا الإسم نسبة الى البشير بن محمد بن أحمد الكبداني وهو من جماعة Imrabden المستقرة بفرقة أولاد الحاج برأس الماء.

وقد ظهر البشير بن أحمد الكبداني أثناء حصار مليلية بصفته مقدم كبدانة. إتجه نشاط مقاومته الى إبعاد السفن ألإسبانية الجائلة بين مليلية ورأس كبدانة. ويرجع له الفضل في بناء أبراج مراقبة على طول خط ساحل كبدانة، ومن بينها هذا الذي يحمل إسمه.

ومن بين الكتب أو المصادر التاريخية التي تحدثت عن هذا البرج أو Aydim، نجد كتاب :
” Document pour servir a l ‘etude, Nord ouest africain, Jules Cambon”
ويقول في صفحة 235، بعد ترجمة النص معنىً الى اللغة العربية: “.. برج البشير المقابل لجزر الشفارين.. كان هناك في سنة 1890م منزل صغير في حالة خراب يشغله بصفة دائمة 12 عشرة حارسًا مسلحين ببنادق ريمنجتون، وذلك بهدف مراقبة القوارب القادمة من الجزر..”
النص الأصلي المكتوب باللغة الفرنسية.
..A Bordj el Bachir, en face des iles chafarine, il existait (1890) une petite maison en ruine qui, de tout temps, a été occupée par 12 gardien, armés de fusils remington, avec mission de surveiller les barque venant des Iles..”

..وللمعلومة، فإن أبراج كبدانة عرفت تطورا تاريخيا، خاصة بعد وصول المستعمر ألإسباني إلى المنطقة 1909م، حيث شيد بعضها بطريقة جديدة مخالفة للنمط التقليدي القبلي وبناها في مواقع يمكن من خلالها مراقبة وضبط تحركات القبائل في نطاق واسع، كما أنهم أقدموا على تخريب معظمها وعمدوا الى ترميم وإستغلال بعضها وإستوطنوا “لمحلات” والقلعات التي كانت تابعة للجنود المغاربة المواليين لسلاطين المغرب قبل وبعد الإستعمار .

أما بعد تسليم الريف للمغرب من طرف اسبانيا، وخاصة في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات فلقد فطنت سلطات النظام المغربي للدور الإستراتيجي لهذه المواقع ما جعلها تعيد بناء هذه ألأبراج لكن بهندسة مختلفة حيث تتميز عن سابقاتها بأشكال مربعة وعالية بعض الشيء ولها أبواب مطلة جهة البحر يمينا وشمالا وباب أخرى تفتح قبالة الجبل .

أما طريقة الحراسة خاصة في السبعينيات فكانت تتم بالتناوب، إذ يتم تعيين حراس في النهار وأخرون بالليل ويتكلف رجل سلطة بتعيين هؤلاء ويكونون غالبا من شباب البلدة إلا أن هذا التقليد إندثر ولم يعد موجودا مع بداية الثمانينات لكنه سيعود مرة أخرى للوجود بعد أن وقع المغرب إتفاقيات مع الإتحاد ألأوروبي للحد من تنامي ظاهرة “الهجرة غير نظامية” والإتجار بالمخدرات ولازالت تقوم بوظيفتها المنوطة بها الى حد اليوم.

الا أن هذه ألأبراج أصبح يطلق عليها اليوم في صيغة المفرد إسم “ALPOST” بدل” أيديم” وهو ألإسم القديم لها..

نورالدين شوقي باحث في تاريخ وتراث كبدانة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: