أخبار الرئيسيةتاريخثقافة وفنون

ماذا تعرف عن المفاوضات الأخيرة لحكومة الجمهورية الريفية من أجل الاستقلال ؟ الجزء الثاني

لمن فاته الجزء الأول لهذا المقال التاريخي يمكنه الاطلاع عليه عبر الرابط التالي : ماذا تعرف عن المفاوضات الأخيرة لحكومة الجمهورية الريفية من أجل الاستقلال ؟ الجزء الأول.

الجزء الثاني :

القجيري محمد

وهكذا بعدما تم تشكيل هذا التحالف الامبريالي القذر الذي شمل اسبانيا وفرنسا والبيدق المغربي (مراكش سابقا)، اتفقت هذه الأنظمة الاستعمارية على التعاون العسكري فيما بينها للقضاء على ثورة الجمهورية الريفية، فسافر لويس مالفي (Louis Malvy)، وزير الحرب الفرنسي إلى مدريد في شهر مايو من سنة 1925 لتعلن بعدها الدولتين الاستعماريتين عن عقد مؤتمر فرنسي اسباني بمدريد لبحث سبل التعاون العسكري بين الحكومتين ضد الثورة الريفية.

فتوصل الطرفان إلى اتفاق شامل يقضي بالقيام بعمليات عسكرية مشتركة ضد الريف، ثم تلاه الاتفاق الأخر بتاريخ 5 يوليوز 1925 الذي نص على فتح مفاوضات مع الحكومة الريفية وأن الحكومتان الفرنسية والاسبانية لن تتفاوض مع الحكومة الريفية إذا ما أصر الوفد الريفي على الاعتراف باستقلال الريف مقابل السلام.

وفي 9 يوليوز من العام 1925 تم توقيع اتفاق خطير يتضمن طبيعة التعاون والتنسيق العسكري بين سلطات الاحتلال الاسبانية والفرنسية والمغربية لتطبيق سياسة الحصار البري والبحري على منطقة الجمهورية الريفية كتمهيد للعمليات العسكرية المشتركة والمكثفة.
فقام بعدئذ مبعوث الحكومة الفرنسية ” ليون كابرييلي” (Léon Gabrielli) الذي هو المراقب المدني بتاوريرت، بالاتصال بممثل الحكومة الاسبانية “فرانسيسكو ماران” بمليلية، فاتفقت الحكومتين الفرنسية والاسبانية بتاريخ 18 يوليوز 1925 على مخابرة الحكومة الريفية في النقط الآتية ذكرها: ( أنظر محمد العلمي، زعيم الريف: محمد عبد الكريم الخطابي، ص: 44-45)  :

  • إن الحكومتين الفرنسية والاسبانية متفقتان لمنح قبائل بلاد الريف المعنية بالأمر الاستقلال الاداري الموافق للاتفاقيات الدولية الخاصة بالمملكة الشريفة.
  • إن الحكومتين متفقتان لفتح مفاوضات في أقرب وقت مع المسؤولين في الريف للوصول إلى اقرار السلام وتطبيق النظام الجديد.

وكانت النقط المفصلة للتفاوض مع الحكومة الريفية، كالآتي:

  • تبادل الأسرى.
  • وقف القتال.
  • تحديد نظام الاستقلال الاداري.
  • الاتفاق حول الأراضي التي ستخضع لهذا النظام.
  • تحديد عدد قوات الأمن التي ستسهر على النظام والأمن في هذه الأراضي.
  • الاعتراف بحرية التجارة وضمانها في الريف وذلك وفقا للمعاهدات الدولية والنصوص القانونية الخاصة بالجمارك.
  • حضر استيراد الأسلحة إلى الريف.
  • الاتفاق على منطقة من الشاطئ لتكون محتلة احتلالا سلميا من طرف اسبانيا ابتداء من يوم وقف القتال.

لم يكن باستطاعة الحكومة الريفية الشابة أن تتفاوض حول هذه النقط المذلة بدون شرط الاستقلال السياسي للريف، وكان وزير خارجية الريف محمد أزرقان قد سبق أن أعرب في لقاء مع المبعوث الفرنسي “كابرييلي” عن “استعداد الحكومة الريفية للدخول في حوار مع الحكومة الفرنسية لحل جميع المشاكل، شريطة اعترافها باستقلال الريف” (محمد العلمي، نفسه، ص. 44).

ومع فشل هذه المحادثة ورفض طلب حكومة الجمهورية الدستورية الريفية لشرط الاستقلال من أجل انهاء الحرب وتحقيق السلام الدائم، اشتدت الحرب من جديد وهذه المرة اضطر الريفيون لفتح عدة جبهات قتالية في آن واحد ضد كل من اسبانيا وفرنسا خصوصا مع توغل القوات الفرنسية والمغربية داخل الأراضي الريفية الجنوبية وما ارتبط ذلك بانضمام بعض زعماء القبائل الجنوبية إلى المعسكر الفرنسي وإعلانهم الولاء للإقامة العامة الفرنسية بالمغرب وللسلطان العلوي، فحشد هذا الأخير المدعو يوسف العلوي في معسكر نظم بفاس مزيدا من فيالق الكومات وقواد القبائل الريفية الخائنة كما القبائل المغربية المتحالفة مع القبيلة العلوية بقيادة فرنسيين نحو جبهات القتال على الحدود الريفية-المغربية.

وخلال تفاصيل هذا الحشد التحالفي الدولي ضد الريف، واشتداد المعارك الطاحنة ضد الشعب الريفي، حاول الرئيس الوطني للريف، محمد عبد الكريم الخطابي الاتصال برئيس الحكومة الاسبانية “بريمو ذي ريفييرا” لإجراء مفاوضات بدون وجود الفرنسيين، لكن طلبه قوبل بالرفض. ونفس الشيء عندما اتصل بالحكومة الفرنسية يوم 23 فبراير 1926 بشأن الهدنة ووقف القتال من أجل فتح مفاوضات أحادية معها، لكن رد الإقامة العامة الفرنسية بالمغرب كان بالرفض المبرر بمقتضيات المعاهدة الاستعمارية مع اسبانيا عبر شخص “تيودور سطيك”، المقيم العام الثاني بالمغرب بعد المارشال ليوطي، حيث قال: “إن حكومته لا تستطيع أن تتفق في شيء مع محمد عبد الكريم دون موافقة الحكومة الاسبانية وحضورها خلال المفاوضات، وانها مستعدة أن تجد الحلول في هذا الإطار” (محمد العلمي، نفسه، ص. 46).

وفي شهر أبريل من العام 1926، انطلقت الاتصالات الأولى والمباحثات التمهيدية لعقد آخر المفاوضات من أجل السلام التي تمخضت عنها الإعلان عن مفاوضات وجدة بطلب من الريفيين في ظل الحشد الدولي الامبريالي المشكل ضد قيام دولة الجمهورية الريفية بالرغم من معارضة عناصر اللوبي العسكري الاسباني/الفرنسي/المغربي للتفاوض مع الحكومة الريفية بصفتها حكومة قائمة بذاتها، حيثما كانوا يخشون من تنازلات الحكومتان الفرنسية والاسبانية بشأن مستقبل الحكومة الريفية وبما يربط بمتاهات التسوية النهائية للقضية الريفية بما قد تكون في غير صالحهم وفق شروط وضمانات سرية تستفيد منها الحكومتين الاستعماريتين. والحال، بدا كذلك خلال المخابرات السابقة المنظمة بين الحكومة الريفية والحكومة الاسبانية حيث كانت تزعج هذا اللوبي القذر وعلى الأخص اللوبي الفرنسي/المغربي، خشية أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق بشأن شروط استقلال الدولة الريفية.

وبانعقاد مؤتمر وجدة رغماً عن أنف المعارضين، انتدبت الحكومة الريفية لجنة للتفاوض مكونة من ثلاث أعضاء معبرين عن تطلعات الشعب الريفي، ولعل من المفيد أن تستضيف هنا فقرة عن مؤلف ماريا روسا ذي مادارياغا، بصدد المحاورين في مؤتمر وجدة أمام كم المعطيات المتناثرة هنا وهناك بين عدد من المراجع والمصادر، حيث كتبت قائلة: “كانت اللجنة الريفية التي ترأسها محمد أزرقان تتضمن أيضا حدو بن حمو وأحمد شيدّي. أما الفرنسية التي ترأسها الجنرال سيمون (Simon) فكان من أعضائها بونصو (Ponsot) الذي كان يشغل منصب نائب مدير الشؤون الإفريقية بوزارة الشؤون الخارجية ودوكلو (Duclos) المدير العام لقسم شؤون الأهالي بالرباط. في حين ترأس اللجنة الإسبانية خوليو لوبيث أوليبان (Julio López Oliván) وهو موظف تابع لوزارة الدولة الإسبانية، وكان من أعضائها أيضا القائد أكيلار (Aguilar) من إدارة المراقبة بأجذير والنقيب ذي ميكيل قائد الطابور في الشرطة الإسبانية في طنجة” (ماريا روسا ذي مادارياغا، مصدر سابق، ص 331).

هذا، وقد عرفت الجلسات المستمرة، المرتبطة بمفاوضات وجدة نقاشات حادة ابتداء من يوم 18 أبريل 1926 التي تمت في معسكر بيرتو (Camp Berteaux) بعد الجلسة التمهيدية ليوم 17 أبريل، كما تم تعليقها لبضعة أيام أمام احتدام النقاش والاختلافات الجذرية والمتعارضة بصدد مجموع النقط بين موفد الحكومة الريفية وممثلي حكومات الاستعمار وعلى الأخص خلال جلسة 21 أبريل بموقع لعيون سيدي ملوك لتستأنف يوم 27 أبريل إلى غاية انتهائها بتاريخ 7 مايو كآخر أجل لتقديم الحكومة الريفية لجواب نهائي حول نقاط التفاوض وإن كانت المفاوضات قد توقفت عندما غادر الوفد الريفي مدينة وجدة في اتجاه العاصمة الريفية أجذير، بتاريخ 6 مايو 1926.

وطبعا لا الحكومة الفرنسية ولا الحكومة الاسبانية ولا السلطنة العلوية كانت ستقبل التفاوض مع الحكومة الريفية بشأن شروط السلام مقابل الاعتراف بالدولة الريفية. يقول في هذا الصدد جورج أوفيد، المستشار الاقتصادي والمالي للحكومة المغربية بين سنوات 1956 و 1961 بأنه لم يكن باستطاعة الحكومتان الفرنسية والاسبانية “احتمال وجود ريف موحد تعتبرانه تهديداً كامنا لإقامتها في إفريقيا الشمالية. فرق تسد لقد كان تفكيك الكتلة الريفية هو الهدف الذي يقصده العسكريون السياسيون . لقد احترس القادة الفرنسيون من الكشف عن نواياهم إلى حين انعقاد مؤتمر وجدة” (جورج أوفيد، اليسار الفرنسي والحركة الوطنية المغربية 1905-1955، ص 118 و 119).

وبالفعل هذا ما حدث مع تضمين الاقتراحات الجديدة، التعجيزية المضافة لاحقا على قائمة نقاط الاستفزاز المزمع التداول فيها خلال الجلسات المصيرية من محادثات مدينة وجدة؛ تلك المدينة التي كانت تحت الانتداب الفرنسي وذلك بعدما تأكد لهذا التحالف الاستعماري الدولي الغاشم من انتصاره في حرب الريف والمشكل من أعتى الدول الإمبريالية القائمة آنذاك، بدعم حاشد من القوات المغربية السلطانية والخليفية والجيوش الإفريقية المرتزقة والمشكلة من مرتزقة السنغال والجزائر وتونس.

وفيما يلي أخطر الاقتراحات الاستعمارية لإفشال آخر جلسات مؤتمر وجدة المنعقد خلال فصل الربيع من سنة 1925 والذي لم يكن في حقيقة الأمر إلا مناورة استعمارية للاستهلاك السياسي والإعلامي أمام الرأي العام العالمي.

  • ابعاد الزعيم الوطني محمد بن عبد الكريم الخطابي
  • خضوع بلاد الريف لسلطان المملكة العلوية المغربية
  • نزع السلاح من القبائل الريفية وفق ضمانات تحدد خلال محادثات وجدة
  • اطلاق سراح الأسرى الاسبان والفرنسيين والمغاربة

بهذه الاقتراحات والشروط الاستعمارية التعجيزية، المتضمنة بين عدد من المراجع والمصادر بما قيل للغالب إنها طرحت خلال مفاوضات وجدة الأخيرة للجمهورية الريفية والتي دامت أكثر من أسبوعين، هي في حقيقة الأمر مفاوضات طبول الحرب من جديد بعدما أصرت هاتان الدولتان المارقتان اسبانيا وفرنسا على عدم الاعتراف باستقلال الدولة الريفية بل وطالبت بإبعاد الرئيس محمد عبد الكريم الخطابي وإخضاع بلاد الريف لدولة الاستعمار المحمية.

في البت المطلق، تم رفض هذه الاقتراحات من طرف الوفد الريفي المفاوض المشكل من وزير الخارجية محمد أزرقان بصحبة كل من رفاقه حدو لكحل ومحمد شيدي، كما رفضها رئيس الجمهورية الريفية، السيد محمد بن عبد الكريم الخطابي باعتبارها شروط المذلة والعار والعبودية للسلطنة العلوية المغربية بما كانت تعني تفكيك الدولة الريفية واعتراف الريفيين بالسلطة المخزنية المغربية تحت الحماية الفرنسية-الاسبانية.

بهذا التراجيدية الريفية إذن، انتهت آخر المفاوضات المصيرية للحكومة الريفية من أجل السلام المهضوم بحيث تعمد فيها التحالف الاستعماري القذر على افشالها وخصوصا من طرف اللوبي الفرنسي العسكري، المتطرف في شخص مجرم الحرب المارشال “فيليب بيتان” والذي تلذذ غليلا عندما قاد العمليات العسكرية ضد المقاومة الريفية والمعادي لكل تعامل مع الحكومة الريفية، حيث كان يعارض بشدة مفاوضات وجدة ويدعو في المقابل إلى التدخل العسكري المشترك بين فرنسا واسبانيا والمغرب لسحق الجيش الوطني الجمهوري وإسقاط الدولة الريفية بغية إخضاع جميع الأراضي الريفية للدولة العلوية المغربية تحت نظام الحماية الفرنسية والاسبانية.

ولاسيما مع بروز تيارات مناهضة للحل العسكري التي كانت ترى ضرورة البحث عن حل سلمي لقضية استقلال الريف عبر اللجوء إلى المفاوضات لحل القضية الريفية نهائيا كما هو الشأن على سبيل المثال مع بعض نواب المجلس الفرنسي الذين كانوا يمتنعون عن التصويت على القرارات الحكومية بشأن التدخل العسكري في حق الشعب الريفي، حيث كانت نداءاتهم المتكررة تدعو للجوء إلى المفاوضات؛ تلك المفاوضات التي كان يأمل فيها الوفد الريفي ويسعى جاهدا مقابل امتيازات وضمانات تمنح لشركات الدول المفاوضة والمراقبة إلى الاعتراف باستقلال بلاد الريف من خط الحدود مع المغرب حتى البحر الأبيض المتوسط، ومن خط الحدود مع الجزائر حتى المحيط.

إذن، بعد عملية إفشال المفاوضات المجرات بوجدة ما بين 18 أبريل و 6 مايو من سنة 1926 والتي كان الريفيون يأملون من ورائها تحقيق السلام الدائم. تجددت بعدها المعارك الدموية العنيفة في الثامن من شهر مايو؛ أي قبل أسابيع قليلة من استسلام الرئيس الشرعي للريف محمد عبد الكريم الخطابي في يوم 26 مايو واستمرت العمليات العسكرية الدولية والمشتركة بين اسبانيا وفرنسا والمغرب ضد قيام الدولة الريفية والتي كانت بمثابة العدوان الدولي الاستعماري الغاشم والقذر على دولة الجمهورية الريفية غير المعترف بها من طرف أنظمة الاستعمار القائمة آنذاك.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: