أخبارأخبار الرئيسيةمقالات الرأي

نقطة نظام… مساءلة الأنماط والأعراف السلوكية الريفية، حق و واجب

مقاربة “ذرية” جدية لمنظومة العمل الجماعي الريفي تظهر دوامة من الأخطاء ، و الإنزلاقٍات و الإنحرافات و الظواهر والأساليب الدونية، خارج سياق العصر و التي تعد من بين الأسباب الجذرية لتدني الانتماء واستمرارية العمل التنظيمي الريفي الجماهيري المشترك و التضييق عليه وإضعاف الثقة فيه (عنصر حاسم وضروري )، كما تساهم في الانطوائية على الذات و تقويض عملية نجاح الفعل الريفي و تشييد بنيان ديمقراطيات ريفية فعلية، هذه الدوامة هي نتيجة لعدم التمييز بين الفضاء الخاص والفضاء العام (يوركن هابرماس).

تناقش مساهمتي المتواضعة هاته جانب من كيمياء المادة النضالية الريفية بالخصوص : السلوكيات و الروابط و التفاعلات التي تحدث بين الجزيئات ، والتي تثير الكثير من الاستفهامات ، ظاهرة الخلط بين الفضاء الخاص والفضاء العام، وما يتفرع عنها من انتهاك السرية في العمل وانتشارمنطق الرقابة والرغبة في التحكم والسيطرة .

ظاهرة مجتمعية وثقافية مقلقة، أضحت تشغل مساحة واسعة في النشاط السياسي والاجتماعي، لها صلة بعلم النفس والسلوك والمزاج، العاطفة و الانفعالية.

موضوع مغيب في النقاشات العامة والبحوث الاجتماعية إعتماد منهجية تحليلية في هذا الشان لتسهيل عملية الدراسة، وتحديد العوامل المسببة لها و تجنبها : تحديد وضع الممارسات ، ماهيتها، الوظائف التي تاديها و ​نية الجهة الصادر عنها.

تجدر الاشارة الى أن الأمر لايتعلق بالفضول المعرفي، والدهشة والتساؤل التي من الواجب علينا تزكيها وتشجيعها وصيانتها، الغرض المتوخى هنا ليس وضع تعميمات، هي فقط مراجعة و محاولة مني لفهم الظاهرة، تجزيئ بعض المفاهيم و المواقف والسلوكات لإقامة القوانين التي تحكمها، استنادا إلى ما عايشته و الملاحظة المنتظمة التي اعتمدتها منذ مدة.

تفكيك الصور الذهنية الثابتة عن التنظيم الريفي، و كل ما ظاهري : الحياد المزعوم، الواجهة الديمقراطية، المواقف الجاهزة وتعرية نوعا ما الجانب المخفي، والسعي لاثارة الانتباه لهذه الافة و تقديم توجيهات والدفع لتعديل هذا السلوك المَرضي. السلوك، كما هو معروف، ليس شيئا ثابتا ولكنه يتغير.

العمل الجماعي

من منظوري الخاص ، يتمثل العمل الجماعي في تكاتف وتضافر الجهود لتحقيق أهداف و مخططات تصب في الصالح العام، فوائده : التعاون، التوافق والتقارب والتبادل الديمقراطي للخبرات والأفكار والمدركات والآراء و المعارف. تنمية المهارات الاجتماعية والتنظيمية . الاتصال والتواصل مع الآخرين ،و تعزيز الوعي بين الأعضاء و تحسين المردود و الكفاءة والفعالية والجودة والعطاء.و بناء العلاقات وتقلد المسؤوليات والأدوار، و خلق بيئة تولد الإبداع،… هنا تكمن روح الجماعة والقوة الأساسية للتجمعات و الهيئات و المنظمات السياسية.

يتمحور العمل الجماعي حول بعض الأساسيات والمبادئ التوجيهية
العمل بفكرة المشروع، نظام للتسيير يعتمد على معاييـر الحوكمة الرشيدة، الصالحة و السليمة، ثقافــة أخلاقيــة مســؤولية، الإلتـزام بميثـاق سلوكيات العمـل ، وهو من مسؤوليات كل منخرط فـي مجموعـة عمل، الثقة ، النزاهة و الانضباط والأمانة والشفافية والمسؤولية، وعلى وجه الخصوص، السرية،…

سأسلط الضوء على هذه النقطة الأخيرة أين تبدو، بالنسبة لي، الإشكالية الحقيقية.

السرية والخصوصية

بشكل مبدئي ، الشخصية المعنوية الاعتبارية لأي تجمع، تتمتع باستقلال و سيادة وتنظيم والتزامات و إرادة مشتركة ومنهجية وأسلوب تنظيمي معين وأهداف استراتيجية و هياكل تنظيمية داخلية،… كما ان لكل تجمع قدسية و خطوط حمراء. على هذا الاساس يتعين علـى جميـع أعضـاء الحفاظ على سرية وخصوصية البيانات والمعلومات الفردية للأشخاص الطبيعيين والمعنويين الموكلة إليهم،وهي كلها بيانات ومعلومات غيـر عامـة ، حتـى بعـد انسحاب العضو من المجموعة، ويتعلق الامر ببناء الإستراتيجيات و الترتيبات التنظيمية والإجراءات والتدابير و خواص الناس،الخ
السرية والخصوصية تندرج ضمن قاعدة أخلاقية صلبة تحفظ الإحترام المتبادل، وتحمي حقوق الأفراد والجماعات من أي إساءة أو عدوان.السرية تؤكد على حرمة الناس، وحرمة التعدي عليها.

التداخل الكبير بين المجال العام والمجال الخاص

نجد بعض الفئات من الفاعلين لها ميل “طبيعى” لهاذا الشأن، تسمح لنفسها، و بمبررات شتى ، اجتماعية ودينية وأخلاقية، و بإسم الإنسانية و الحب والاطمئنان،…، أن تتدخل في المجال الخاص للآخرين، و الإطلاع على خصوصياتهم وتفسيرها وفق أهوائها.

لسوء الحظ، بيئة الفعل الجماعي الريفي لاتخلو من انتشار ظواهر وعادات إنحرافات و ممارسات قبيحة وخبيثة من هذا القبيل تنعكس بشكلٍ سلبي على جو العمل، و محيط ينعدم فيه الوفاء، وتجعل المرء لا يشعر بالراحة والطمأنينة والأمان ، والأمن النفسي والاستقرار، كما تساهم في إحباط الروح المعنوية وتتسبب في التنافر : تناقل الأخبار الكاذبة والشائعات الخاطئة، و النميمة و الأقوال الملفقة وانصاف الحقائق،…. من الصعب العمل في بيئة لا يستطيع فيها الفرد الاحتفاظ بالأسرار !

في هذا السياق، غالبا ما ينظر للعمل الجماعي من باب الاطلاع اللامحدود على الأمور الخاصة للآخرين، التطفل والفضول. الانخراط من داخله أي العمل الجماعي، يكون بعين المصلحة و الاستغلال و الرقابة و التلصص على آراء وأفكار ألاشخاص و تحركاتهم ، وليس بعين النضال بحد ذاته، من أجل مواكبة إدارة شؤون الدولة و الأوضاع العامة، النضالات السياسية وقضايا المجتمعية و الاهتمامات والمطالب الاجتماعية والتغيرات الديموقراطية كهواية لهذه الفئة أصبح شغلها الشاغل هو إقتحام الخصوصيات ،و الخوض في أعراض الناس وجوانب من حياتهم الخاصة، رصد نقاط ضعفهم وعيوبهم، ومعرفة أسرارهم واقتناص معلومات دقيقة تهمهم وتوظيفها لاحقا كورقة من الممكن تحريكها لفائدة جهات معينة لتحقيق مكاسب معينة. وبهذا يشكل السبيل الوحيد لتحقيق نفسيتها على المستويين الفردي والاجتماعي.

محاولة لتفهم النسق الريفي،و محددات السلوك الإنسانى وفهم التراكيب والعمليات السيكولوجية الفردية التي تؤثر في تشكيل سلوك الفرد فى المواقف المختلفة. هناك فرضية محتملة يمكن إدراجها و قد تفسر النمط الفكري الأمازيغي نمط كلي شموليّ احتوائي ، تضميني لا يفرق بين الخاص والعام، لا يعرف القدسية ولا الخطوط الحمراء، وهي كلها مصطلحات دخيلة على منظومته الفكرية.

كما انه غالبا ما تنتعش النميمة أمام محدودية النطاق و انسداد الأبواب، و في حضور الجهل والانحطاط الأخلاقي، وفي غياب الفعل الديمقراطى التواصلى وسلطة العقل وامام اﻟﻌﺠﺰ ﻓﻲ اﻟﻌﻤﻞوالخوض في مختلف القضايا والاهتمامات العامة، واحتياجات المجتمع،المشاركة في حوارات ومناقشات عقلانية والقيم السالفة الذكر.

قد يحدث بشكل عفوي دون مبالاة أو اهتمام، او بشكل مقصود وواعي و بإصرارٍ وتعمّد، بنية الإساءة والتجريح و التشهير و المساس بالخصوصية و التشويش والغدر و التضليل و نصب الكمائن للكيد. كما يمكن تفسير هذا السلوك البشري بالتنشئة الاجتماعية و الواقع السوسيوثقافي و الموروث الحضاري والأخلاقي، كما قد يشكل تصرف لإثبات الوجود و التعبير عن لذة الاستمتاع بافشاء الأسرار من باب التسلية أو التباهي والتفاخر بامتلاك معلومات سرية،(بضاعة) البحث عن السبق في نقل الخبر.

ومما زاد من انتشارها في عصرنا الحاضر تنوّع وسائل الإعلام الاجتماعية ومواقع التواصل الاجتماعي، التي تسهل هذه الظاهرة في عصر التنظيمات، هذه العادات السيئة لها امتدادات، تجر لامحالة إلى العداوات و الخصومات،و المشاكل والصراعات ، و ترد العلاقات إلى هاوية التخلف. كما تعزز مجتمع الكراهية وتخلق بيئة غير صحية البتة. فهي الطريق الأسهل لإنهاء العمل الجماعي.

ومن هذا المنطلق، يكون لزاماً على الفاعلين الساهرين على انجاح الحركات اجتماعية و أي تنظيم ان يتحملو مسؤوليتهم و التدخل لمعالجة هذه الظاهرة و تحديد معايير وحدود الحرية والممارسات من داخلها وذلك لتساهم لدمقرطة الفعل السياسي، و إذكاء وعي فعلي، و لتبديل الذهنيات والممارسات وتحرير الإنسان من قبضة بعض الجوانب المظلمة للمؤسسات والأعراف التقليدية.

رشبد أفقير

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: