أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

هل كانت بلدة زايو قاعدة سرية للتحالف الأوروبي ضد الريف 1909/ 1914م‎؟

في عام 1909م كانت كبرى الصحف ألأمريكية ومنها النيويورك تايمز تنقل ألأخبار القادمة من الريف ومن بين المواضيع التي كانت تشغل الرأي العام الأمريكي هي مشاركة مجموعة من الأمريكيين من قدماء الحرب العالمية الأولى في الحملة على الريف ضمن الأسطول الفرنسي على الرغم من تحذيرات الحكومة الأمريكية لهؤلاء وتهديدهم بتبعات قانونية جراء خدمتهم في صفوف جيش أجنبي.

وفي هذا السياق ومزيدا من المراسلات و التقارير الصحفية الأتية من الريف كتبت صحيفة سان فرانسيسكو كرونكيل في 30 يوليو من سنة 1909مقالا تحت عنوان ” يد القيصر في حرب المغرب قصة صراع إسبانيا مع المغاربة ”، تقول فيه ما يلي :”يصعب تحديد أسباب الأزمة الراهنة إلا أن يد الدبلوماسية الألمانية تبدو جلية وهي نفس الدبلوماسية التي تسببت في المشاكل التي أدت الى قمة الجزيرة الخضراء والى إستقالة وزير الخارجية الفرنسي ديلكاصي ..من هنا نفهم دلالة طلب مولاي حفيظ من إسبانيا إجلاء ساحل الريف خاصة حين نتذكر أن ألمانيا ساندت مولاي حفيظ في نزاعه مع أخيه مولاي عبد العزيز ..”.

وفي يوم 17 اكتوبر 1909، أشارت صحيفة واشنطن بوست في مقال تحت عنوان ” بيع مناجم الريف حسب بعض الإشاعات” تقول فيه ” تشير بعض الإشاعات أن سلطان المغرب مولاي حفيظ قد باع مناجم الريف التي كانت سبب المشاكل بين الريفيين و الإسبان لشركة ألمانية ويشرح المراسل أن الإسبان يملكون تلك المناجم مقابل خمسة عشرة ألف دولار أمريكيا يدفعونها للروكي المنافس على العرش و الذي قضى عليه السلطان مؤخرا..”.

وفي 21 غشت 1909 كتب سيدني بروكس مراسل مجلة هاربرز في لندن مقالا تحت عنوان “هل إسبانيا على الحافة”، يقول فيه.. “لاشيء يمكن أن يكون محزنا أكثر من أن تجد إسبانيا نفسها من جديد عشر سنوات بعد الحرب الأمريكية أمام كارثة في الخارج وثورة في الداخل ..لقد أدت محاولة طائشة الى إقامة خط سككي يصل مليلية الميناء الإسباني على الساحل الريفي ببعض مناجم تبعد عنها بإثنى عشر ميلا أدت الى التورط في صراع مكلف جدا مع قبائل الريف وهو صراع جعل إسبانيا مقدمة على ثورة داخلية لقد دفن الريفيون كل صراعاتهم وأحقادهم الشخصية والقبلية ليواجهوا العدو المسيحي المشترك لقد تبين أنهم ليسوا فقط عديدين بل أيضا مسلحين بشكل أفضل مما كان يتوقعه الكثيرون في مدريد ..يقاتل هؤلاء بمهارة وشجاعة تثيران الإعجاب وبذلك فقد نجحوا في التفوق على جنرالات الإسبان الى درجة أنهم بحلول غشت كانوا قد قتلوا أو جرحوا حوالي خمسة ألاف من قوات العدو.. إنتهى” [1].

عند قراءة هذه التقارير والمراسلات للصحافة الدولية التي كانت تنقل الأحداث من الريف نلاحظ أن العديد من الدول الأوربية كان لها إهتمام واسع بما يجري في المنطقة، وهذا الإهتمام ربما كان سببا في إرسال مراسلين الى عين المكان لتغطية وقائع الحرب بهذه المنطقة الواقعة بالشمال الغربي لإفريقيا، كما أن هذا التسابق الإعلامي المعلوماتي عن المنطقة لم يكن وليد الصدفة بل كانت تختفي من ورائه أغراض سياسية و أطماع عديدة خاصة وأن هذه الكيانات المتصارعة عن كعكعة الريف لم تلتزم الحياد بل كانت تريد فرض سيطرتها وهيمنتها على ألأرض من أجل الاستفادة من حقها في ثروات معادن مناجم الساحل الريفي.

إلا أن هذا التنافس كان يشوبه التوجس والحذر وعدم الثقة فيما بينها، فمن جهة كانت ألمانيا تريد كسب ود مولاي حفيظ لشراء المناجم بحكم أنها ساعدته في حربه على أخيه عبد العزيز، ومن جهة أخرى كانت فرنسا تساند حركة الروغي بتزويدها بالسلاح وألأموال للسماح لها بالإستغلال التجاري لمنطقة الشمال الشرقي للريف، أما إسبانيا فقد أظهرت حيادها في الحرب الدائرة بين بوحمارة و السلطان وإعتبرتها حرب مدنية بين المغاربة ليسمح لها الروغي في الأخير بإنشاء شركة للمعادن في جبل وكسان إضافة الى أنها كانت تغريه لإيداء الولاء لها عوض فرنسا.

وقد أدى هذا التنافس الشرس عن الثروة المعدنية بالريف الى خلق إضطرابات وتوترات في علاقات هذه الدول خاصة بين فرنسا وإسبانيا وأول أزمة ديبلوماسية بين هذين القطرين بدأت حينما [..] جلب المقاوم أعمر أبضالس أموال وأسلحة فرنسية الصنع من ملوية وهذا الحدث أجج غضب ألإسبان كما يتضح من خلال مقال لصحيفة إ.ب. س نشر بتاريخ 09-01-1911 صفحة 2 تحت عنوان
حادثة مليلية أيقظت إسبانيا تقول فيه “…مرة أخرى وكما كان منتظرا أطلق الموروس النار ضد جنودنا في حرب الغزو التي شرعنا فيها في شمال إفريقيا منذ سنة 1909 إنها حرب الحياة و الموت بالنسبة لإسبانيا …منذ 19 يوليوز من السنة الجارية 1911 أخبرتني الرسالة التي وصلتني من ميدان الموروس أنه منذ أيام قليلة تشكلت نواة حركة من بني سيدل وقرى بوكرين وبارودين الى كرط تتكون من 200 مشاة و 40 من الخيالة، الناس إستيقظوا ضد إسبانيا ..القوة المذكورة مزودة بأسلحة فرنسية وصلت من الجزائر … إذن ألأموال الفرنسية تنتقل في الريف من يد الى أخرى ضدنا …”.

كما إستنكر الصحفيون الإسبان كذلك ما قامت به فرنسا ودعوها للتعاون مع بلدهم، و تحت عنوان مسؤولية فرنسا كتب خوسي ماريا أسكودير بصحيفة أ. ب. س بتاريخ 06-9-10-1911 صفحة 6 ما يلي …كفى من التردد يجب الدخول في اللعبة والدفاع من الجنوب ومن السهل الدائر بالحركة وفصل سهلي كرت وصبرا وإحتلال هضبة الحرب الخانقة بين بني بويحي وأمطالسة أصل الثورة. [2]

وعلى هذا العهد كانت الجهة الغربية من الريف تعاني من ويلات حربين خبيثتين الأولى حرب باردة دائرة بين الدول المتنافسة على الخيرات والثانية بين جنرالات الإسبان و السكان المحليين لغتها صوت الرصاص لا تفاوض ولا تسامح فيها دفاعا عن الأرض، أما أقصى الجهة الشرقية التي كانت خاضعة بدورها للسيطرة الإسبانية فكان يسودها الهدوء نسبيا ولم تشهد مقاومة بالشكل التي كانت علية في الريف الغربي وهنا وقع الإختيار على وحدة جغرافية كانت تسمى زايو، حدودها واضحة تضم أراضي وغابات ومراعي ومصدر للمياه كان نهر ملوية زيادة الى سوق أسبوعي، إتخذتها إسبانيا نقطة إستراتجية لمراقبة كل التحركات على الحدود الفرنسية الإسبانية وبفضل إحتوائها على بعض المرافق و البنايات العسكرية أهلها ذلك لتكون منطقة خضراء لعقد المؤتمرات و تبادل الزيارات الديبلوماسية، وأول [..] وفد خارجي زار زايو للتشاور مع ألإسبان كان لضباط فرنسين جاؤوا من منطقة الحماية الفرنسية سنة 1912 وقد خص المعمرون إستقبالا حارا لهم إذ عمدوا الى تشكيل جموع من القياد على هيئة رسمية تمثل الجهة أمام قنطرة ملوية للغرض نفسه، ولدى وصولهم الى زايو المركز قام مسؤولون عسكريون وضباط إسبان بإستقبال هؤلاء في جو حماسي تم فية تبادل الخبرات و المعلومات، وبعد نهاية الزيارة خرج الوفد الزائر من زايو قاصدا سلوان بعد أن أمر القبطان العام بمليلية بذلك [3] ونعتقد أن هذه الزيارة كانت لغرض ترتيب ألأمور ووضع حد للخلافات الدائرة فيما بينهم خاصة وأن هذه ألأزمات السياسة أدت الى عقد قمة الجزيرة الخضراء التي ترتب عنها فرض الحماية على المغرب في نفس السنة .

وفي هذه ألأثناء كان الريفيون منشغلون بترتيب الأمور لمواجهة المحتل الإسباني من جديد بعد وفاة المقاوم الشريف محمد أمزيان الذي خاض الحرب مع الإسبان بشراسة لأربعة أعوام متتالية وذلك من1909الى 1912 سنة وفاته. وفي يوم 20-07-1913 كتبت صحيفة أ.ب.س في صفحة 32 ما يلي “..غادر مسؤول إسباني رفيع المستوى زايو متجها نحو تطوان يدعى فيلانوفيا يرافقه في هذه الرحلة ثلاث جنرالات هم الفاو وبريميرو ريفيرا و برينكر.” وهذه الزيارة تؤكد على أن زايو كان فعلا مركزا مهما لأخذ ألإستشارات السياسية والقرارات العسكرية.

ومع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 قام ألألمان [..]بتعيين بعض العملاء و المخابرات بتطوان والعرائش للجبهة الغربية وفي مليلية بالنسبة للجبهة الشرقية وكانوا يهدفون الى توزيع ألأسلحة وألأموال على بعض زعماء قبائل الريف مقابل القيام بحركات ضد مناطق الحماية الفرنسية وقد إتضح بأن بعض الألمان الذين إستقروا بمليلية للغرض المذكور بعلم من قيادتها العامة كانوا مع إتصال بإبن عبد الكريم الذي كان بدوره يتصل ببعض الوسطاء بالريف ليقوموا بإيصال ألأموال وألأسلحة للزعماء الذين يتم إختيارهم للقيام بحركات ضد الفرنسيين وقد وصف الكابيتان أنطونيو فيلا روبيو في كتابه ” كايوفاس ..1941″ الكيفية التي تصل بها الموارد الى زعماء الحركات عندما كان يشتغل بالشرطة ألأهلية وأخر ما شاهد تلك العملية التي تمت من منزل البشير بن سناح من بني سيدل حيث قال” .. أن هذا ألأخير حصل من ألألماني جرلاش على مبلغ 30000بسيطة و قام بتحويلها الى قطع معدنية ثم خرج بها من منزله ليلا الكائن بشارع بابيونيس بمليلية رفقة أحد أقاربه وعلى أربعة بغال في إتجاه تفرسيت لتوزع للحركة.. “[3]

وعلى وقع هذه ألأحداث قام وفد بريطاني عسكري بارز في فبراير من سنة 1914 بزيارة زايو و حضي هذا ألأخير بإستقبال حار تم فيه زيارة القواعد العسكرية ألإسبانية إضافة الى معاينة دور العسكر وجودة ألأطعمة التي كانت تقدم للجنود إلا أننا نجهل ألأسباب الحقيقية التي أدت بهؤلاء ألإنجليز زيارة زايو، لكن بإمعان النظر في سنة مجيء هؤلاء الى المنطقة نكتشف على أنه كان تاريخ بداية الحرب العالمية ألأولى وربما هذا ما عجل بالوفد زيارة زايو للتفاوض مع ألإسبان بهذا الشأن.

وأخيرا ..وكما هو معلوم فإن زايو شهد في عهد ألإحتلال ألإسباني عدة زيارات لشخصيات عسكرية ومدنية إسبانية كانوا يأتون من إسبانيا أو من مليلية للحضور في مناسبات عدة، كالتدشينات أو تنصيب قياد جدد إضافة الى حفلات ألإستقبال التي كانت تنضم على شرف الوفود الخارجية أو للمغاربة ألأعيان.

استعينا ببعض المراجع منها:
1 المقاومة في الريف سنة 1909 من خلال الصحف ألأمريكية – ذ.محمد الداودي -جريدة تيفراز العدد39 –فبراير 2009.
3 صحيفة ا.ب.س الصادرة 01- 08 -1912
2 -4 موقف أمطالسة من ألإحتلال ألأجنبي للريف من خلال أرشيف بعض الصحف ألإسبانية
بحث ذ.عبد المالك مروان – نشر في بوابة دريوش سيتي- بتاريخ 19-09-2016.

نورالدين شوقي، باحث في تاريخ وتراث كبدانة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: