أخبارأخبار الرئيسيةإصدارات

جهود من هولندا لحماية اللغات الأمازيغية.. الباحث الريفي خالد موريغ ورحلة دراسة لغة الأجداد

رغم أنه ولد وعاش في هولندا، فإن الباحث خالد موريغ يكرس كثيرا من وقته لموضوع اللغات الأمازيغية، وهي لغات والديه اللذين هاجرا من الريف إلى هولندا قبل أكثر من 4 قرون.

سيقود اهتمام موريغ بلغات الأجداد إلى الحد أنه خصص دراسته للدكتوراه في جامعة “لايدن” للبحث في لغة قبيلة غمارة الأمازيغية شمالي الريف، حيث جمع قواعد هذه اللغة وأصدر كتابا عنها، ويعد اليوم من المراجع النادرة عن هذه اللغة القريبة على الاندثار.

إلى جانب عمله باحثا مستقلا، يكتب خالد موريغ الشعر، وينظم محاضرات دورية في هولندا عن موضوع اللغات الأمازيغية، كما أنه أصدر قبل عام كتابا بعنوان: “الضيف من جبال الريف”، وفيه يستعيد رحلة جده إلى هولندا في منتصف الستينيات من القرن الماضي، والتقت الجزيرة نت الكاتب وأجرت معه هذا الحوار عن بحوثه في اللغات الأمازيغية.

  • كتبت كتابين عن نوعين من اللغات التي تشكل ما تعرف باللغات البربرية، كيف تصف هذه اللغة؟ وما الذي يميزها؟

في الأول أحب أن أقول إن كثيرا من المتحدثين باللغة الأمازيغية لا يفضلون اسم البربرية للغتهم، ويختارون اسم “الأمازيغية”، أو “تامازيغت”.

البربرية (أو الأمازيغية) هي عائلة لغوية منفصلة، وفيها العديد من الأنواع المختلفة، ويتم التحدث بهذه الأنواع المختلفة من اللغات الأمازيغية من منطقة سيوة في مصر إلى غمارة في الريف، مرورا بمنطقة الطوارق في الساحل الأفريقي.

اللغة الأمازيغية لها علاقة بعيدة كثيرا باللغات السامية، بل إن جميع الكلمات الأساسية في اللغة الأمازيغية تختلف كثيرا عن الكلمات ذاتها في اللغات السامية. وهذا ما تراه في كلمات مثل: الماء (aman)، والنار (timessi)، واليد (afus)، والوطن (tammurt).

وحتى نطلق الكلمات وتركيب الجمل في اللغة الأمازيغية له صيغته الخاصة، ويختلف كثيرا عن اللغات السامية. وفي الوقت نفسه هناك اختلافات كبيرة بين اللغات الأمازيغية.

كتاب “الضيف من جبال الريف” للباحث خالد موريغ صدر حديثا باللغة الهولندية 
  • كتابك عن لغة غمارة الأمازيغية يعد من المراجع النادرة التي تقدم قواعد هذه اللغة، كيف كانت رحلة البحث الخاصة بالكتاب؟ وكيف جمعت قواعد اللغة؟

يتحدث اليوم بلغة غمارة الأمازيغية أقل من 10 آلاف شخص، وهذا يجعلها معرضة لخطر الانقراض، إذ يتناقص عدد العائلات التي تتحدث هذه اللغة مع أطفالها.

لقد بحثت في ذلك من خلال العيش والعمل فترة في الريف الغربي، المعروف أيضا باسم جبالة، وهناك تحدثت مع ناس من المنطقة وترجمت قوائم للكلمات التي يتحدثون بها بلغة الغمارة، وسجلت أيضا محادثات أخرى مع متحدثين مختلفين باللغة ذاتها، كما أنني سجلت حكايات تقليدية من التي تتناقلها الأجيال في المنطقة.

بعد ذلك حللت البيانات التي جمعتها في الجامعة الهولندية التي كنت أنجزت دراستي بها، وصنفت القواعد النحوية المستخدمة في لغة غمارة. وهذه اللغة مثيرة للاهتمام ليس فقط لأنها صيغة فريدة من اللغات الأمازيغية، بل أيضا لأن قواعد هذه اللغة خضعت لتغيير تحت تأثير اللغة العربية المنطوقة (ما تعرف بالدارجة).

لقد كانت تجربة العيش مع سكان الريف رائعة، وما زلت أفكر كثيرا في كرم الضيافة والعناية من الناس هناك، تلك التجارب لن أنساها أبدا، لقد كانوا -مثلا- يخبزون كل يوم خبزا طازجا ويحملونه إلي.

وعندما أساعدهم في سحب قواربهم إلى الشاطئ كنت أحصل على بعض السمك هدية، لقد ساعدني كثير من الناس هناك، بيد أنه كان علي أن أعمل بجد في البداية لكي أكسب ثقتهم.

خالد موريغ روى قصص هجرة جده الراحل في كتاب باللغة الهولندية
  • كتابك هذا كان جزءا من بحثك الأكاديمي الذي حصلت به على درجة الدكتوراه، كيف سار البحث في الريف؟

حصلت على تصريح البحث العلمي في الريف أولا، ثم ذهبت إلى السلطات المحلية، ثم قابلت رئيس القرية (المقدم)، وبعد ذلك انتهى بي المطاف في قرية صيد جميلة تسمى “سيدي يحيى العرب”.

لقد تواصلت مع الناس في القرية، خاصة رجال القرية، وكنت أجلس معهم كل يوم؛ كتبت ما قالوه، وطرحت أسئلة من معجم باللغة العربية، وسجلت قصصا تراثية من المنطقة. كنت أرافقهم في الحياة اليومية، حتى أطلع عن قرب على كيفية الحديث باللغة في الأمور اليومية. كنت أصيد السمك وأذهب إلى السوق لأكون قرب الناس.

في تلك الأثناء كنت أحفظ البيانات التي أجمعها، وبمجرد وصولي إلى هولندا، قمت بتخزين البيانات في قاعدة بيانات تضم الكلمات التي جمعتها. وقمت أيضا بتحليل القواعد وعلم الأصوات والصرف والنحو. وأثناء التحليل ظهرت أسئلة جديدة، وفي كل مرة أعود إلى القرية لطرح أسئلة وجمع بيانات جديدة.

  • ولدت في هولندا لعائلة من الريف، ما الذي جذب صبيا درس في المدارس والنظام التعليمي الهولندي للغة الأمازيغية؟

لاحظت من طفولتي أن لغة الريفيين الأمازيغية -وهذه اللغة التي تعلمتها في منزل العائلة الذي تربيت فيه في هولندا- غير معترف بها في أي مكان، لم يكن هناك أدب أو إعلام بهذه اللغة.

في مقابل غياب هذه اللغة من الأدب والإعلام الشعبي، كانت هناك ثقافة موسيقية مفعمة بالحيوية مكتوبة باللغات الأمازيغية، وأصبحت مهتما بمعاني الكلمات في أغاني المطربين الاحتجاجيين الأمازيغيين، مثل الوليد ميمون وغيره.

عندها بدأت البحث وتعرفت على الشعر الأمازيغي المنطوق، وقرأت في الكتيبات ثنائية اللغة (الأمازيغية-الهولندية) التي تصدر في هولندا أحيانا.

أثناء دراستي اكتشفت أن جامعة لايدن تقدم اللغويات الأمازيغية، لقد سجلت وحصلت على درجة الماجستير وبعدها الدكتوراه في اللغويات الأمازيغية.

منذ مجيء العرب إلى شمال أفريقيا كان هناك تأثير للغة العربية على الأمازيغية، هذه عملية استغرقت قرونا، وهناك تأثيرات مسبقة حتى قبل وصول العرب. على المستوى المعجمي أثرت اللغة الأمازيغية على اللغة العربية في المغرب (الدراجة)، وهناك كلمات عربية اليوم مأخوذة من اللغة الأمازيغية مثل المفتاح (ساروت)، وكلمات أخرى في مجالي النباتات والحيوانات.

  • كيف ترى تأثير اللغة العربية على اللغات الأمازيغية في شمال أفريقيا؟

منذ مجيء العرب إلى شمال أفريقيا كان هناك تأثير للغة العربية على الأمازيغية، هذه عملية استغرقت قرونا، وهناك تأثيرات مسبقة حتى قبل وصول العرب. على المستوى المعجمي أثرت اللغة الأمازيغية على اللغة العربية في المغرب (الدراجة)، هناك كلمات عربية اليوم مأخوذة من اللغة الأمازيغية مثل المفتاح (ساروت)، وكلمات أخرى في مجالي النباتات والحيوانات.

في المقابل، أخذ الأمازيغيون كثيرا من الكلمات العربية، حتى يمكن القول إن نحو 50% من المعجم اللغوي الأمازيغي مأخوذ من العربية. وهذا يعني أن اللغة إذا فعلت ذلك تحولت إلى نسخة من لغة أخرى؛ الكلمات المستعارة ظاهرة طبيعية بين اللغات، وحتى في اللغات الأوروبية المعاصرة.

  • أنجزت بحثا عن لغة الشباب الهولنديين من أصل ريفي ومغربي، وقلت إن اللغة التي تهيمن على هذه اللغات الجديدة ستكون التي تعود للطرف الأقوى، كيف تأثرت حياتهم في هولندا؟ وهل يمكن شرح هذه الفكرة؟

الريفيون والمغاربة في المهاجر يفقدون سريعا لغة الوالدين، بعد جيل أو جيلين من الهجرة المغاربية إلى هولندا تضاءل إتقان اللغة العربية المنطوقة (الدارجة) واللغة الأمازيغية، إن لم تكن اختفت تماما في بعض الأوساط. وهذا يحدث بشكل أوضح عند موت الأجيال الأولى من العائلة، عندها تتحول اللغة الهولندية إلى لغة التعامل الأولى بين الأجيال الجديدة من المغاربة الذين ولدوا في هولندا.

في الوقت نفسه، يعاني الهولنديون الريفيون والمغاربة منذ سنين طويلة من الصورة السلبية عنهم في هولندا، وبسبب خلفيتهم الإسلامية والتنميط في بعض وسائل الإعلام الهولندية، وهو الأمر الذي يعني أنهم يريدون تمييز أنفسهم من خلال تبني أسلوب معين في الكلام والتواصل في ما بينهم، أو أثناء تعاملهم مع المجتمع الهولندي من حولهم.

ما فعله كثير من هؤلاء الشباب هو نطق الهولندية بطريقة مختلفة قليلا، واستخدام بعض الكلمات الريفية والمغربية والكلمات البذيئة هنا وهناك؛ وبهذه الطريقة يصنع الشباب من الأصل المغربي هويته الخاصة عبر اللغة التي ابتكروها.

يلعب التنقل والهجرات الكبيرة دورا رئيسيا في اختفاء اللغات أو تغيرها. على سبيل المثال، إذا انتقل بشر آتين من مجتمعات صغيرة تتحدث لغات نادرة إلى مدينة يتم التحدث فيها بلغة أخرى، فسيتبنى هؤلاء بدافع الضرورة لغة هذه المدينة ويتراجع الاهتمام بلغاتهم الأصلية.

  • كيف ترى مستقبل اللغات التي يتحدثها شعوب وقوميات صغيرة في عصر العولمة الذي نعيش فيه؟ وهل هذا المستقبل يتأثر بموقع هذه المجتمعات الجغرافي وموقعها الاقتصادي؟

العديد من اللغات الصغيرة معرضة لخطر الانقراض خلال هذه الأوقات، وكلا العاملين اللذان ذكرتهما مهمان؛ إذا تغير مجتمع ما أو اختفى بالكامل فستختفي اللغة عادة أو تحل محلها لغة أكبر.

يلعب التنقل والهجرات الكبيرة دورا رئيسيا في اختفاء اللغات أو تغيرها. على سبيل المثال، إذا انتقل بشر آتين من مجتمعات صغيرة تتحدث لغات نادرة إلى مدينة يتم التحدث فيها بلغة أخرى، فسيتبنى هؤلاء بدافع الضرورة لغة هذه المدينة ويتراجع الاهتمام بلغاتهم الأصلية.

ويحدث أحيانا أن بعض المجتمعات تقرر عدم تمرير اللغة إلى الأجيال القادمة، لأن اللغة الأكبر القريبة منهم -في نظرهم- تكون أكثر فائدة؛ ونتيجة لذلك يفقد كثيرون المعرفة التي سجلتها هذه اللغات الصغيرة؛ ولهذا السبب فإنه من المهم الحفاظ على أكبر عدد ممكن من اللغات وتسجيلها.

المصدر : الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: