أخبارأخبار الرئيسيةمقالات الرأيهجرة

الريف بين التهجير القسري، الإستيطان و الإستلاب

التهجير القسري:

بعد سقوط جمهورية الريف في أيدي الإستعمار, نظم التحالف الإستعماري محكمة معاقبة الشعب الريفي على بسالته في مقاومته للإحتلال و بناء دولته المستقلة, و صدر الحكم بتهجير أسر المقاومين وأسر مسؤولي إدارة وحكومة دولة جمهورية الريف نحو مناطق المخزن الفرنسي و نحو المستعمرة الفرنسية (دزاير) و النفي خارج بلاد الأمازيغ و مصادرة أملاكهم.

و التهم الموجهة لهؤلاء المهجرون من وطنهم, بظهير إستعماري, تلاه خليفة المستعمر (كسر الميم), الحسن ابن المهدي بن إسماعيل, ووقعه المندوب السامي الجنرال خوس سان خورخو, و جاء فيه: “الحمد لله وحده ولا يدوم إلا ملكه أنه حبا في التمني على موجب العدل والإنصاف وعقابا على المسلك الشنيع الذي سلكه ضد السلطة الحقيقية الذين شاركوا في الثورة التي ترأسها مجان ولد عبد الكريم الخطابي وامتازوا بمعاكستهم للمخزن الشريف وللدولة الحامية”.

تهمة هؤلاء الأحرار كانت مقاومتهم للإستعمار, الذي مني بهزائم و خسائر فادحة في أكثر من معركة, و الحكم عبر عن إرادة الإستعمار في إنتهاك حرية الشعب في تقرير مصيره بنفسه في دولة مستقلة فوق أرضه.

بداية التهجير القسري خطط له كمعاقبة سياسية (النفي) بعد إنهيار دولة الريف المستقلة, و إستمر هذا التهجير بأشكال الإضهاد الإقتصادي والإجتماعي للضغط على الشباب خاصة لترك وطنهم (دولة الريف) والهجرة الى الخارج, مثل ما حصل في أوائل الأربعينات من القرن الماضي,(ما عرف بعام الجوع و الهجرة الى مستعمرة فرنسا, دزاير). سيتحول التهجير القسري الى سياسة ممنهجة في عقيدة الكولونيالة العروبية بعد رحيل الأب الروحي للعروبة (الإستعمار الفرنسي), وبداية سياسة التمييز العنصري (التهميش, الإقصاء والإستبداد).

أول عملية تهجير قسري جماعي لأمازيغ الريف, قام بها النظام الكولونيالي العروبي, كانت بعد الإبادة الجماعية لسنتي (1958-1959), بالنفي للكثير من الريفيين الى خارج وطنهم الريف, وتلتها إتفاقية التهجير الجماعي, الموقعة مع دول أوروبية لتصدير الأيدي العاملة الرخيصة الى أوروبا و خصوصا الى هولندا, العملية التي أراد بها النظام المخزني إخلاء الريف من شبابه المتمرد و المقاوم ضد الاستعمار.

من المحطات المؤلمة في تاريخ الريف, هو إستغلال زلزال إقليم حسيما ( 24 فبراير 2004), إستغلال كارثة إنسانية لتنفيذ سياسة التهجير القسري بشكل اللاأخلاقي واللاإنساني.

في الوقت الذي لم يفق آهالي الريف من صدمة الزلزال المروع, الذي أدى بحياة 600 شخص و تدمير المئات من المنازل وتشريد الألاف من الآهالي, كانت السلطة اللقيطة تتحرى على الأطفال اليتامى و يتم خطفهم و تقديمهم للجمعيات الخيرية في المدن المعربة لتعريبهم, إمتثالا لأوامر الدكتاتور محمد السادس الذي أمر بمنح الأطفال اليتامى منكوبي الزلزال صفة مكفولي الأمة و هي الدعوى المباشرة الى إختطاف اليتامى .

الا أن العملية اللاأخلاقية واللاإنسانية فضحها المجتمع المدني و وقف ضد عملية تهجير الأطفال يتامى الريف وضد التعريب القسري للأطفال بطريقة حقيرة. لم تتقبل السلطة اللقيطة أن تترك الفرصة تمر من دون الإستفادة منها في عملية التهجير القسري, فقد تملصت من حدث الزلزال, فلم تقدم مساعدات تذكر بل العكس من ذلك, فقد حولت المساعدات العينية الى مخازنها الخاصة, كما أن المساعدات المالية التي قدمها آهالي الريف في الخارج والداخل وكذا مساعدات الدول الأجنبية والمنظمات المدنية الدولية, حولتها أجهزة السلطة الى حسابات بنكية مجهولة.

و في مجال إعادة الإعمار, مع رفض السلطة اللقيطة في تقديم المساعدات الضرورية لإعادة الإعمار, تطوعت بعض المنظمات الدولية خاصة البلجيكية, لإعادة الإعمار, إلا أن السلطة اللقيطة رفضت هذه المساعدة و طردت هذه المنظمات من منطقة الريف.

تملصت السلطة اللقيطة من مسؤوليتها, كان نوع من الضغط على المنكوبين المتضررين لدفعهم الى التهجير نحو المدن المعربة أو التهجير نحو الخارج. و الخطة الخبيثة لم تكن إلا حلقة من سياسة التهجير القسري لأهالي الريف المتمرد عن القوى الإستعمارية.

منذ رحيل الإسبان و إحلال محلهم النظام الكولونيالي العروبي بمنطقة الريف, و هو يمارس الاضطهاد الإجتماعي والعرقي من تهميش و إقصاء وتفقير وإستبداد. سياسة التمييز العنصري الممنهجة, الهادفة الى دفع الشباب الى التهجير القسري نحو الخارج بحثا عن العيش الكريم والآمن, و هربا من البطالة و الفقر والإذلال اليومي, و التجنب المرحلي من الإصتدام مع وحشية النظام العرقي.

المهجرون الريفيون, هجرتهم سياسة الآبادة الجماعية والتمييز العنصري ولحقت بهم سياسة التعريب اللغوي و الثقافي مع إستبعاد اللغة الامازيغية من التعليم لأبناء ضحايا التهجير القسري, ما يؤكد السياسة التعريب الممنهجة للنظام الشوفيني لمسخ امازيغ الريف هنا و هناك.

التهجير القسري سياسة ممنهجة تمارسها السلطة الكولونيالية الى اليوم بأشكال مختلفة, سواء عبر سياسة التمييز العرقي, أو عبر إستغلال الكوارث الطبيعية أو من خلال أشكال آخرى. التهجير القسري يعد إنتهاكا للقانون الدولي الإنساني.

الاستيطان:

غزو منطقة الريف, وتصدير الجماعات المعربة (برابرة بقناع عربي) الى الريف بدأ عبر مراحل, لأن النظام بعد الاحتلال كان يتوجس من الأهالي, ويتخوف من رد الفعل الغير المنتظر, ولهذا خطط لتعريب المنطقة بواسطة سياسة الإستيطان لكن عبر مراحل, من دون إحساس الأهالي بالعملية الخطيرة على الشعب الريفي.

المرحلة الأولى, كانت مع بداية الاستعمار المخزني و كانت متوقعة و هي إظهار قوة المخزن بإستقدام أجهزة القمع الوحشية من بوليس و درك و قوات مساعدة و الجيش, يرافقهم زمرة الموظفين الإداريين ( المحاكم و العمالات والقيادات و الخدمات…), و جنود التعريب التعليمي.
المرحلة الثانية تزامنت مع تصدير المتسولين و الحمقى الى المنطقة ( تنقية المدن المعربة), وتبعهما تصدير العاهرات و المزاولون للتهريب المعاشي والعصابات الاجرامية لنشر الإرهاب الإجرامي و الفساد في المنطقة.

المرحلة الثالثة و الخطيرة, هي بداية تشجيع النظام لحركة الإستيطان المنظم المرافق بالدعم المادي والمعنوي, بخلق مشاريع خدماتية للمستوطنين. و للإستقرار الدائم صادرت السلطة اللقيطة أراضي الجموع و حولتها الى عمارات سكنية إجتماعية, باعت شققها للمستوطنين بأثمان رمزية, وخلق النظام أحياء جديدة إستطانية, بعد أن آمنت للمستوطنين وظائف و فرص الشغل, و أبناء المنطقة يعانون البطالة والفقر والتشريد.

المستوطنون الجدد ليسوا مجرد عصابات مسلحة و نصابين بل أصبحوا أصحاب أملاك وعقارات و محلات تجارية و ضيعات فلاحية, فقد زرعوا الكيان الإستطاني للبقاء, و لخدمة المشروع المخزني في تعريب المنطقة و تحقيق أمنية المجرم حرب محمد الخامس ” الريف منطقة عربية”.

بالإضافة لهذه الجماعات صدرت السلطة جماعات من الشبان والأطفال المشردين (الحراكة), بهدف ظاهري هو الهجرة الغير الشرعية نحو الديار الإسبانية, لكن مهمتها الأولية تكمن في تخريب المنطقة, قبل الإتجاه نحو الثغر المحتل, مدينة مريتش (مليلية) والإستقرار فيها.

السلطة اللقيطة تعلم جيدا أن القانون الأوروبي يمنع ترحيل الأطفال الى بلدانهم الأصلية, و لهذا توجه الأطفال و العاهرات الى الثغر المحتل للإستيطان و خلق مكون عروبي داخل مريتش (مليلية) الامازيغية, كما فعلت مع سبتة. قبل أشهر إستغل النظام الكولونيالي الأزمة مع الإسبان, ليشارك علانيا في الهجرة الغير الشرعية متجاوزا القانون الدولي, دفاعا عن تصدير الجماعات الإستطانية الجديدة المكونة مستقبلا للعنصر العروبي الإستطاني فيي مدينة مريتش (مليلية) الريفية الأمازيغية تحت الإحتلال الأسباني.

ستنضاف مليلية مستقبلا الى المدن المخربة في الريف, إن لم تحل السلطات المحلية مشكلة الأطفال المشردين و العاهرات القادمين من المناطق المعربة داخل مورك.

آيت ناظور المدينة الجميلة, رغم التهميش الممنهج, فكانت القلب النابض لإقتصاد الإقليم, بفضل التحويلات المالية لأبناء الإقليم المهجرون الى الديار الأوروبية, فلا تسمع في أسواقها و مقاهيها و دكاكينها إلا الحن الامازيغي الحلو, المرادف للصفقات التجارية أو لحكايات رواد المقاهي او في حوارات الشباب و ضجيج الأطفال في الشوارع.

غابت الضحكة والفكاهة عن آيت ناظور فقد صنعت أحياء للمستوطنين لا تسمع في شوارعها و دكاكينها إلا صوت القساوة وكلمات سوقية مثل ( مال دين دمو, عطي لمو, واش باغي…), آيت ناظور المجاهدة ( مركز المقاومة الأمازيغية ضد الإستعمار الاسباني في الخمسينات), المدينة التي قاومت الإضطهاد القومي والإجتماعي, والمقابر الجماعية شاهدة عن نضال أحرارها, المدينة التي خرجت من الرماد لتحيى, ها هي اليوم تعاني من التخريب الممنهج على يد أعداء الشعب الامازيغي ولغته و ثقافته, أعداء البشرية وأعداء القوانين الطبيعية.

لا يختلف الوضع بالحسيمة ( ربما حسيمة أكثر تضررا من آيت ناظور), أو البلدات الآخرى في الريف, فحركة الإستيطان تغزو كل المنطقة, و التخريب طال كل المنطقة, بدءا من تخريب تطاوين وإشاون و بركان, والآن قطار التعريب الشامل وصل الى أيت ناظور و حسيما و البلدات الآخرى و يستهدف مريتش (مليلية) كمشروع عروبي مستقبلي لتخريب كل منطقة الريف, وكما قال ابن خلدون ” إذا عربت خربت”. السلطة اللقيطة بسياستها الإستطانية التخريبية تهدف الى فرض سياسة أمر الواقع.

السياسة الإستطانية تهدف الى تحطيم ميكانيزمات الصمود والممانعة لدى أحرار الريف, لتسهيل عملية التعريب الشامل للمنطقة, لصناعة الريف العربوفوني بدل الريف الأزلي بهويته الطبيعية الأمازيغية الأصيلة.

الإستلاب الفكري و الثقافي:

المشروع الكولونيالي في الريف أدرك أن تحقيق الحتمي لعملية الإستيطان مرتبط بالإستعانة بالإستلاب الفكري و الثقافي. الإغتراب الذاتي للفرد أو الجماعة الفاقدين للوعي الثقافي والمناعة الفكرية في تصدي للتأثير الفكري والثقافي الأجنبي, يكونان عرضة للمسخ الهوياتي الفكري و الثقافي . ويتخذ الإغتراب هنا مفهوم الإرتداد والتناقض للحرية الطبيعية.

سيكولوجية الإستلاب تهاجم العقل الطبيعي و ميكنيزمات الممانعة عنده لتعجيزه عن التفكير الصحيح مثل غسل الدماغ, ليصبح صفحة بيضاء يخزن الأفكار من جديد, وهذه العملية اللاإنسانية في المسخ الهوياتي, يتعرض له المجتمع الريف, مثل ما يتعرض للتهجير القسري والإستيطان الغير الشرعي.

منذ بداية إحتلال المخزن العروبي للريف, وهذا الأخير يتعرض للإستلاب اللغوي والثقافي و الفكري بإقصاء المكون اللغوي والثقافي الأمازيغيين من المجال العمومي, المؤسساتي واللامؤسساتي, بالمقابل آمنت المقاربة الآمنية المجال لفرض التعريب اللغوي والثقافي, وإغتراب الذات المحلية عن مجالها السسيو-ثقافي واللغوي. وقد فرش النظام الكولونيالي أرض الريف بالورود للزوايا الدينية والزوايا السياسية العروبيتين, من أقصى اليمين الى أقصى اليسار, والجمعيات الفرجوية, للنشاط العلني من دون مراقبة ولا الحضر, لأداء دورها في الإستلاب الفكري و قتل العقل الممانع والمقاتل عند أهالي الريف. لقد عجز شباب الستينات و السبعينات والثمانينات والحديث العهد بالتعليم والإطلاع على العلوم في مواجهة الفكر الدخيل على المنطقة سواء التعريبي أو المتفرنس, و وقع الكثير من هؤلاء الشباب فريسة للإستلاب العروبي و خصوصا الزواياتي (اليسراوي ) و الإسلاموي.
أستطاع الإستلاب العروبي ترويض وإحتضان الذات الإغترابية, فإستبدلت العزة الريفية عند المروضين بالمخزن العروبي الجديد مثل القومية العربية و الوحدة العربية و اليسار العربي و الإشتراكية العربية و هلم جرا, ومن المخجل أن تسمع للريفيين المتحزبين في الزوايا السياسية و بلسان الجمع يقول “نحن العرب, حلنا في وحدتنا العربية”. الإستلاب الفكري خلق حالة من الشعور الدوني لدى الجماعة البريرية لتجعل من هوية الإحتلال هوية ذاتية وبديل لدونيته و عجزه عن المجابهة و فرض الذات الحقة و الخطورة في تمدد الإستلاب الفكري جغرافيا و بشريا.

مشروع تعريب الريف من خلال التهجير القسري و الإستيطان و الإستلاب, لم يتوقف من بداية الإحتلال المخزني الى اليوم, وسيستمر مع المسخ الهوياتي و الإغتراب الذاتي حتى تحقيق حلم مجرم حرب محمد الخامس (الريف عربي وللعروبة ينتمي), وهذا واقع ملموس وليس تخمينات ولا مزايدات كلامية.

الكلمة والمبادرة والتحرك الآن في ملعب أحرار جمهورية الريف المنهارة, إما الحياة أو الموت, ما يعني الدفاع عن الريف الأمازيغي بخصوصيته اللغوية والثقافية بكل أشكال النضال, المظاهرات و العصيان المدني, الكفاح المسلح عند الضرورة ,فجبال الريف الشامخة كانت دائما الموقع الحاضن للمقاومة الريفية, فإما الكرامة الامازيغية بالإستقلالية الذاتية والخصوصية اللغوية والثقافية, وإما المسخ الهوياتي و الذوبان في ثقافة التخريب والإرهاب العروبيين و نهاية العزة الريفية الأمازيغية.

بقلم كوسلا

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: