أخبارأخبار الرئيسيةمقالات الرأي

الإستعمار والإبادة الجماعية لشعوب الأوطان المحتلة

جرائم الإبادة الجماعية التي إرتكبتها الأنظمة الإستعمارية ضد شعوب الأوطان المحتلة, لا تسقط بالتقادم, ولا تتقادم بالزمن, في هي الماضي في الحاضر والحاضر في الماضي, و ذاكرة الشعوب تخزن آلام الماضي لينبعث تأثيره على الحاضر.

أعلنت ألمانيا مسؤوليتها عن الإبادة الجماعية للهيريرو و ناما أثناء مقاومتهما للقوة الاستعمارية الألمانية بين سنة 1904 وسنة 1908.

وحشية الجيش الألماني المكون من 15 ألف جندي بقيادة جنرال لوتا تروتا لم يفرق بين المقاومين والمدنيين, بعد إنهزام المقاومة تابع الجيش بلا رحمة في إبادة الشعب والقضاء عنه بالكامل, بالدفع بالناجين للموت المحتوم بالعطش في الصحاري, أو في إذلاله في معسكرات الإعتقال . أعتبرت مذبحة الهيريرو و الناما, أول إبادة جماعية إرتكبها الإستعمار في القرن العشرين.

بقيت قضية الابادة الجماعية للشعب الناميبي بين الأرشيف الألماني و أروقة المنظمات الحقوقية , الى سنة 2004 بعد قرن من بداية الإبادة الجماعية ليكسر الصمت وزير الخارجية يوشكا فيشر (الخضر) أنذاك, بإدانة الجريمة البشيعة التي إرتكبتها الحكومة الألمانية الإستعمارية سنة 1904, لكنه رفض وصفها بالإبادة الجماعية, بمبرر أنها حدثت قبل إقرار إتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية (1948).

واصل النشطاء الحقوقيون والسياسيون النامبيون نضالهم و دفاعهم عن قضية ضحايا جينوسيد الناميبي, وظلت المفاوضات الحكومية بين الطرفين لسنوات حتى توصل الطرفين الى صيغة سياسية مشتركة, وإغلاق ملف الإبادة الجماعية للهيريرو و ناما, بالإعتراف الرسمي للحكومة الفيدرالية الألمانية, بأن الجرائم التي أرتكبت ضد هيريرو و ناما تعتبر حسب القانون الدولي بالإبادة الجماعية, تتحمل ألمانيا تبعاتها المادية والمعنوية بتعويض ضحايا الابادة الجماعية ب1و1 مليار أورو, ستخص هذه المبالغ للمشاريع التنموية في مناطق عيش هيريرو و ناما, أحفاد ضحايا الإبادة الجماعية, ستصرف هذه المبالغ المالية في مجالات الإصلاح الزراعي وتطوير البنية التحتية الريفية وإمدادات المياه الى المنطقة وكذلك ستصرف في التدريب المهني للشباب والشابات.

سيتوج الإتفاق بإحتفال في البرلمان الناميبي بحضور رئيس المانيا السيد شتاين مايا بتقديم الإعتذار الرسمي للشعب الناميبي.

سيبقى يوم 28 ماي يوم تاريخي في ذاكرة الشعب الناميبي البطل الذي كافح بتحركاته ونشاطه الحقوقي و السياسي والدبلوماسي, حتى أقنع الحكومة الفدرالية الألمانية بالإعتراف التاريخي بما إرتكبته المانيا الاستعمارية من إبادة جماعية ضد الشعب الناميبي.

الإعتراف الرسمي الألماني بجنوسيد الناميبي, يؤكد بأن جرائم الإبادة الجماعية ضد شعوب الأوطان المحتلة لا تسقط بالتقادم, ولا تتقادم بالزمن.
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 ديسمبر 1948, ودخل حيز التنفيذ 12 يناير 1951. القرار المعلن أن الإبادة الجماعية, جريمة بمقتضى القانون الدولي.

وإذ تعترف بأن الإبادة الجماعية قد ألحقت, في جميع عصور التاريخ, خسائر جسيمة بالإنسانية, وإيماناً منها بأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي.

“إن الأطراف المتعاقدة, تتفق على ما يلي:

المــادة الثانية

في هذه الاتفاقية, تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية, المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية, بصفتها هذه:

( أ ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
( ج) إخضاع الجماعة عمداً, لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
( د) فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة, عنوة, إلى جماعة أخرى.

المــادة الثالثة

يعاقب على الأفعال التالية:
( أ ) الإبادة الجماعية.
(ب) التآمر على إرتكاب الإبادة الجماعية.
( ج) التحريض المباشر والعلني على إرتكاب الإبادة الجماعية.
( د) محاولة إرتكاب الإبادة الجماعية.
(هـ) الاشتراك في الإبادة الجماعية.

المــادة الرابعة

يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية بأي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة, سواء كانوا حكاما دستوريين أو موظفين عامين أو أفرادا.

المــادة السادسة

يتحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها, أو أمام محكمة جزائية دو لية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها”.
حسب المادة الرابعة من الإتفاقية, يعاقب مرتكبو الإبادة الجماعية بمقتضى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعلن في 9 ديسمبر 1948, في مادته الثانية والثالثة, إلا أن قرارات جمعية الامم المتحدة غير ملزمة لكل الدول والأنظمة والأفراد, فهي خاضعة لحسابات ومصالح الأنظمة الإمبريالية المهيمنة في العالم.

رغبة ألمانيا في التخلص من هذا الإرث الأسود في تارخها بإعترافها بالإبادة الجماعية ضد الشعب الناميبي وتعويض ضحايا الإبادة, كما أجبرت من طرف الحلفاء بالإعتراف بجرائمها في الحرب العالمية الثانية وجبر الضرر الجماعي. الفعل الألماني قد يساهم في تشجيع في ظهور رغبات جديدة وقنعات جادة لدى بعض الدول الإستعمارية السابقة بالإعتراف بما إقترفتها من جرائم اللاإنسانية في مستعمراتها.

أعتبرت مذبحة هيريرو و ناما, أول إبادة جماعية إرتكبها الإستعمار في القرن العشرين, أما ثاني إبادة جماعية فقد أرتكبت ضد الأمازيغ في منطقة الريف.
بمناسبة الذكرى المئاوية للحرب الإستعمارية ضد جمهورية الريف, و قصف الطائرات الإسبانية لمنطقة الريف بالقنابل المحتوية على الغاز السام, الذي تم حظره دوليا سنة 1922, ورغم ذلك إستمر الأسطول الجوي الاسباني والفرنسي المكون من 300 طائرة, بما في ذلك سرب من الولايات المتحدة, القصف لمنطقة الريف بالسلاح الكيميائي الى سنة 1927. كانت حرب الريف أول حرب كيميائية جوية في التاريخ ومجزرة أمازيغ الريف, ثاني إبادة جماعية بمقتضى المادة الثانية والثالثة من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المعلن في 9 ديسمبر 1948, الخاص بالإبادة الجماعية.

حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الامازيغي بمنطقة الريف ما زال يحصد الأرواح نتيجة عواقب تسرب المواد الكيميائية في الجو والتربة والمياه, وذلك بظهور أمراض وأوبئة فتاكة وغامضة تشبه التيفوئيد (تقرير طبي أوروبي), و ما تفشي مرض السرطان حاليا في المنطقة قد يكون من عواقب هذه المواد الفتاكة. مرضى السرطان في المورك 80% منهم من منطقة الريف.

الابادة الجماعية ضد المدنيين بإستخدام السلاح الكيميائي في الحرب ضد الجمهورية الريفية, تتحمل مسؤوليته القوى الاستعمارية الفرنسية والإسبانية و بمشاركة المخزن العلوي.

رغم مرور 100 سنة على بداية حرب الإبادة الجماعية بالريف, بإستخدام الغازات السامة المحرمة دوليا, إلا أن هذه الدول والأنظمة ما زالت تطبق الصمت عن الإبادة الجماعية ضد أهل الريف, وما دام الإعتراف الرسمي بالمجازر الدموية والإبادة الجماعية لشعوب الأوطان المحتلة راجع الى رغبات هذه القوة أو تلك, وليس بالضغط الدولي لتنفيذ القانون الدولي وقرار جمعية الامم المتحدة المعلن في 9 ديسمبر 1948, المعني بالإبادة الجماعية.

ضحايا الإبادة الجماعية في الريف الامازيغي, بالإضافة الى تظاهرات و تحركات الحركة الامازيغية في المحافل الدولية للضغط على القوى الاستعمارية و خصوصا فرنسا وإسبانيا الى إعترافهما الرسمي بالإبادة الجماعية لأمازيغ الريف و تقديم التعويضات للضحايا الحرب الإبادية الغير العادلة ضد أهالي الريف, إلا على هؤلاء الإنتظار رغبة الإمبريالية في التصالح مع المنطقة المنكوبة و جبر الضرر الجماعي.

المجد والخلود لشهداء الإبادة الجماعية بالريف والمجد والخلود لشهداء الحق الامازيغي بكل من ليبيا ولقبايل ومزاب وأزواد و بجميع أنحاء بلاد الامازيغ تامازغا (شمال افريقيا).

بقلم كوسلا

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: