أخبارأخبار الرئيسيةثقافة وفنونمجتمع

الكاتب الريفي محمد شكري: “في غياب لغتي الأم (الريفية) تصبح كل اللغات متساوية عندي”

تحلُّ اليوم ذكرى وفاة أحد أبرز كتّاب الريف بدون منازع، محمّد شكري.

ولد محمد شكري سنة 1935، في آيت شيشار في إقليم الناظور، بالريف الأوسط. عاش طفولة صعبة وقاسية في قريته الواقعة في سلسلة جبال الريف، ثم في مدينة طنجة التي نزح إليها مع أسرته الفقيرة سنة 1942م.

وصل شكري إلى مدينة طنجة ولم يكن يتكلم بعد العربية لأن لغته الأم كانت هي اللغة الريفية، وعملَ كصبي في مقهى وهو دون العاشرة من عمره، ثم عمِلَ حمّالاً، فبائع جرائد وماسح أحذية ثم اشتغل بعد ذلك بائعًا للسجائر المهرّبة.

وانتقلت أسرته إلى مدينة تطوان بالريف الغربي، لكن هذا الشاب الريفي سرعان ما عاد وحده إلى طنجة. لم يتعلم شكري القراءة والكتابة إلا وهو ابن العشرين. ففي سنة 1955م قرر الرحيل بعيدًا عن العالم السفلي وواقع التسكع والتهريب والسجون الذي كان غارقًا فيه ودخل المدرسة في مدينة العرائش ثم تخرج بعد ذلك ليشتغل في سلك التعليم.

بدأ شكري رحلته في عالم الكتابة عام 1966 بنشر قصته الأولى “العنف على الشاطئ” في مجلة الآداب اللبنانية، وانضم لاتحاد كتاب المغرب في فبراير 1973. توقف عن الكتابة مدة طويلة رأى فيها أن الحلم الاجتماعي المدني أو القومية العربية حلم ثقيل على المجتمع والناس والأطفال.

انعكس ما عاشه في طفولته من بؤس وجهل وحرمان وتهميش على منتوجه الأدبي، وعكس شخصيته المشاكسة المسحوقة المندفعة المجنونة المتمردة، ورفض الربط بين الأيديولوجيا والأدب.

أثارت روايته -أو سيرته الذاتية- “الخبز الحافي” ردود أفعال قوية رافضة لها لجرأتها الكبيرة في كسر “التابوهات” والخروج على المحرمات التي ظلت خطا أحمر عند العديد من الأدباء العرب، حيث قال مرة عن نفسه “أنا لست ثوريا… أنا كاتب متمرد وملعون عاش في الشارع”.

اشتغل محمد شكري في المجال الإذاعي من خلال برامج ثقافية كان يعدها ويقدمها في إذاعة طنجة، وخصوصا في برنامجه الشهير ” شكري يتحدث “. وعاش شكري في طنجة لمدة طويلة ولم يفارقها إلا لفترات زمنية قصيرة.

رغم أن  شهرة الكاتب والمؤلف الروائي الريفي الراحل محمد شكري شهرة ارتبطت بمؤلفاته باللغة العربية الا ان حنينه الى لغته الام الريفية ظل يسكنه حتي آخر لحظات حياته. محمد شكري اشتهر عالميا بسبب كتاب السيرة الذاتية الذي ألفه ويحمل اسم الخبز الحافي.. الكتاب الذي وصفه الكاتب المسرحي الأمريكي الشهير تينيسي: ”بأنه وثيقة حقيقة مصاغة من الألم البشري”.

في حديثه عن علاقته باللغة الريفية قال الراحل محمد شكري ”اكتبت باللغة العربية ليس كارتباط بالهوية.. أنا وليد لغة تستضيفني إن لم أقل أنا لاجئ إليها…. لم يكن أحد من أسرتي يتكلم اللغة الدارجة المغربية عندما غادرنا قريتنا في آيث شيشيار، لغتنا الوحيدة كانت الريفية…. كلما حاولت أن أسرق لحظة اللعب من أطفال الحي الذي خيمنا فيه كانوا يطاردونني صارخين: امش الريفي، امش اولد الجوع…. هذه الصدمة اللغوية جعلتني أتعلم لغة مضطهدي إلى حد إخفاء لكنتي الريفية تماما من دارجتي المغربية، فعلت ذلك لإخفاء أصلي الريفي…. وأيضا كتحد لهذه اللهجة الغلابة والغريبة عني…

يتابع: “من بين ما أذكر عندما كبرت أن أمي لم تكن تسمح لي بان أتكلم معها إلا لغتي الأمازيغية لأنني ولدت في الريف وينبغي علي أن أحافظ على جذوري من خلال لغتي…. لكن مهما تسعفني اللغة العربية في ساميتها وأي لغة أخرى في التعبير يبقى هناك حنين دفين إلى لغتي يشدني إليها في لهفة….. لا أجد تفريجا لهذا الحصار إلا حينما أتكلم لغتي الريفية الأم، أحسني متبنى في أي لغة أتكلمها أو أكتبها لا تعوض حرماني من لغتي الأم….”

ثم  يقول: “تبقى اللغة العربية بالنسبة لي إذن أداة اغتراب نسبي وأداة تواصل مع من يتكلمها. بمعنى آخر في غياب لغتي الأم تصبح كل اللغات متساوية عندي”.

توفي الكاتب الريفي في 15 نوفمبر 2003 بسبب مرض ألمّ به وهو في نفسه الكثير من الأشياء يريد التّعبير عنها في كتاباته.

لم يتزوج محمد شكري طوال حياته ، وفي هذا الصّدد تحدّث للجريدة اللندنيّة قائلاً : ” لكي أصبح أبا لابن عليّ أن أتزوج. لقد عزفت عن الزواج لأني أخشى أن أمارس على من ألد نفس التسلط والقهر اللذين مورسا عليّ. لهذا أنا أخشى أن يكون لي مولود.. فأنا لا أثق في نفسي “.

وتحفل نصوص محمد شكري بصور الأشياء اليومية وبتفاصيلها الواقعية وتمنحها حيزًا شعريًا واسعًا، على عكس النصوص التي تقوم بإعادة صياغة أفكار أو قيم معينة بأنماط شعرية معينة. شخصيات شكري وفضاءات نصوصه ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمعيش اليومي.

ويعتبر شكري “العالم الهامشي” أو “العالم السفلي” قضية للكتابة، فكتاباته تكشف للقارئ عوالم مسكوت عنها، كعالم البغايا والسكارى والمجون والأزقة الهامشية الفقيرة، وتتطرق لموضوعات “محرمة” في الكتابة الأدبية العربية وبخاصة في روايته المشهورة ” الخبز الحافي ” أو ” الكتاب الملعون ” كما يسميه محمد شكري. تحتل مدينة طنجة حيزًا هامًا ضمن كتابته، فقد كتب عن وجوهها المنسية وظلمتها وعالمها الهامشي الذي كان ينتمي إليه في يوم من الأيام.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: