ثقافة وفنون

سوق الخميس شراويط ..من الأسواق القديمة بالريف (كبدانة)

إشتهرت بلدة كبدانة بألأسواق على مر العصور والأزمنة بعضها باق ولازالت تقام وتؤدي وظيفتها وبعضها إنقرض ولم يعد لها وجود، وذلك لدوافع إجتماعية و إقتصادية، ساهمت عدة عوامل في محو أثارها، منها سنوات الجفاف المتتالية والحروب، إضافة الى الهجرة نحو الحواضر والمدن حينما ظهرت هذه الأخيرة كتجمعات سكنية مدينية في العصور الحديثة.

وكانت هذه المنشآت التجارية تعد مركزا إقتصاديا وإجتماعيا مهما تقام فيه المبادلات التجارية، وكملتقى يلتقي فيه الأهالي و غيرهم من المتسوقين، لغرض التسوق وفض النزاعات والخصومات التي كانت تحدث بين أفراد القبائل علاوة على التطلع و التعرف على مستجدات ألأحداث وكذا أحوال الناس التي كانت تداول داخل هذه المرافق وتتناقلها الألسن.

وهذه الأسواق كانت تقام تقريبا في كل إتحاديات كبدانة وعلى مدار الأسبوع، تعرض فيها كل المنتوجات المحلية والمستوردة خاصة منها الفلاحية و الحيوانية، غير أن الأسواق التي ظهرت على طول مجال كبدانة لم تتزامن مع بعضها البعض في حقبة زمنية معينة، بل لكل واحدة منها تاريخ نشأة يختلف عن نظيراتها.

ومن بين أقدم الأسواق التي عرفتها منطقة كبدانة نجد سوق ” خميس شراويط”، حيث يرجع تاريخ تأسيسه الى ما قبل سنة 1886م، وقد أسس على عهد القايد محمد بن أحمد الشرويطي، وتذهب بعض الروايات الى أن القايد الشرويطي هو من أسس هذا السوق وهو الذي إختار له موضعا في أقصى غرب فرقة الشراويط بالقرب من دوار بوعنقود..

ومن بين الكتابات التاريخية التي ذكر فيها هذا السوق نجد ما جاء مدونا في كتاب ” Documents, pour servir à l’etude du NORD OUEST AFRICAIN.Mr.Jules Cambo”، حيث يقول في صفحة 239، وهو يتحدث عن الكبدانيين” Ils ont deux marchés sur leur territoire: celui de Sidi Addou, le vendredi,et celui de Chraouith, le Jeudi..” بمعنى يوجد لدى الكبدانيين سوقين داخل حدودهم، سوق سيدي عدو والذي يقام يوم الجمعة، وسوق الشراويط ويقام يوم الخميس.

وحسب بعض المصادر، فإن سوق خميس Icharwiden، كانت تعرض فيه منتوجات تقليدية محلية الصنع، إضافة الى الحبوب والماشية والدواب وكذا الصوف والفواكه الجافة والعسل الحر، ومنتوجات أخرى قادمة من مليلية كالبنادق والخرطوشات، زيادة الى الشاي والسكر والبترول..كما كان السوق يحتوي على بعض الدكاكين مبنية بالطين والحجر ولا يتجاوز تعدادها 12عشرة حانوتا..زيادة الى بئر داخل السوق خاص للري والروي.

والى حدود سنة 1909م، كان سوق خميس شراويط لازال في موضعه ويواصل نشاطه التجاري..إلا أن في شهر غشت من نفس السنة قام الجنرال الإسباني Aguillera، بحملة عسكرية ضد فرقة الشراويط، وهذا ما أثر سلبا على الحركة التجارية هناك. وخوفا من دفع الغرامات والضرائب للإسبان، عجل ذلك بالتجار في البحث عن أسواق بديلة آمنة..؟!.

ومن بين الصحف الإسبانية التي وثقت حدث غزو الجنرال Aguillera، لسوق الخميس نجد جريدة ABC في مقال لها صادر يوم 10/09/1909، صفحة 5 تحت عنوان AGUILLERA EN CHRAUIT، حيث قالت” ..وقد تم وضع إعلان بسوق الخميس للإخبار على أن قوات Aguillera، على إستعداد لمواصلة مسيرتها..و أضاف الجنرال بأن رحلته إلى سوق الخميس تعتبر مثالا لإستعراض القوة في كل مكان عكس ما كان يرجى صار السوق خيبة أمل للأهالي ينتابهم الخوف من العقوبات حيث بمجرد علمهم بتحرك الجيوش غادروا ببضائعهم دون أن يتمكنوا من القيام بأية معاملات تجارية..”
“..El general Aguillera prosiguió su viaje al zoco de El- Jemis, siendo objecto en todas partes de análogas demostraciones.
El- Zoco, contra lo que se esperaba, estaba desanimadismo.Los moros, temerosos sin duda del castigo de la columna, apenas tuvieron noticia del avance se marcharon con sus mercancias sin llevar à realizar transacciones..” – ABC (Madrid) – 10/09/1909, pagina 5.

وبعد أن أراد الإسبان توسيع مجال الإستقرار نظرا لنمو النشاط الديموغرافي والإقتصادي للمركز المحدث ب – لاربع أركمان، وخاصة بعد أن إحتوى على بعض المرافق، فكرت سلطات الإحتلال الإسبانية في التخلي والإستغناء عن سوق خميس شراويط، وذلك محاولة منها، جر هذا الرواج الى سوق أرشمان الذي حافظ الإسبان على موقعه ويوم إنعقاده كما كان سابقا قبل إقتحامهم أراضي بلدة كبدانة شرق الريف.

نورالدين شوقي .. باحث في تاريخ وتراث كبدانة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: