أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

الهواري بومدين.. يوم نجا الرئيس الجزائري من محاولة إغتيال بكبدانة

كانت المنطقة الشرقية الريفية وما حولها من قرى وبوادي وقبائل، هي القاعدة العسكرية الخلفية لجيش التحرير الجزائري وكان سبب نشأتها هو وضع حد للحواجز الحدودية التي بنتها فرنسا لمنع جبهة التحرير من التموين.

ومع بداية الثورة الجزائرية في الخمسينيات، تمركزت أهم قيادة القاعدة الخلفية في مراكز متفرقة، كان يفوق عددها 12 مركزا، موزعا على طول خط الحدود الريفية الشرقية بدءا من وجدة ثم بركان، سعيدية، كبدانة و الناظور، إلا أن قادة العمل المسلح أولوا ألإهتمام لمراكز منطقة الناظور بعد أن أخلتها القوات ألإسبانية، منهم_م.أزغنغان وم. الكبداني.

ومن بين أهم المراكز التي لعبت دورا حيويا في دعم خلايا الثورة الجزائرية في تلك الفترة نجد: مركز الكبداني.. وهو مركز مختص في التدريب العسكري وفنون القتال وحرب العصابات وإستعمال الأسلحة والمتفجرات وتجريب الأسلحة القادمة من الخارج، كما أسس ليشرف مباشرة على تنظيم جيش التحرير وتوفير كل ما تحتاجه الحركة المسلحة من لوازم حربية بالمناطق الحدودية الريفية الجزائرية التي كانت ذات أهمية كبيرة، ومنها كان المقاومون يجلبون السلاح والمؤن وكذا إستقبال وحدات الجيش والجرحى القادمين من الجزائر، إضافة الى تخزين الأدوية والألبسة وكل أنواع المساعدات القادمة من البلدان المساندة للثورة الجزائرية مرورا بكبدانة عبر التراب الريفي، ثم إرسالها نحو التراب الجزائري عبر جبل العصفور.

وقد عرف هذا المركز عدة زيارات لمسؤولي الثورة الجزائرية المسلحة وذلك بغية التشاور وتعلم الخطط الحربية ودراسة الخبرات العسكرية، ومن بين القادة الذين زاروا هذا المركز نذكر منهم: الهواري بومدين وبن يوسف بنخدة الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1959 وعبد العزيز بوتفليقة الذي تلقى بدوره تكوينا داخل هذا المركز عندما إنضم إلى جيش التحرير وكان عمره وقت ذاك 19سنة..

وبحكم قبيلة كبدانة كانت تعتبر الممر الحدودي الأمن بالنسبة للقادة العسكريين، للتنقل وتفقد القاعدة الخلفية بحرية تامة، إضافة الى كون الكبدانيين مشهود لهم بتضحياتهم من خلال ما قدموه من مساعدات معتبرة للثورة الجزائرية، كتزويد جيش التحرير بالسلاح، فقد كان العديد من قادة الثورة يزورون المنطقة من فينة الى أخرى
وخاصة منهم الهواري بومدين، الذي كان كثير الترداد على قبيلة كبدانة بحكم كثرة معارفه وأصدقائه هناك، إلا أنه في أحد الأيام من شهر يوليوز سنة 1957، كاد هذا الأخير أن يغتال هناك بعد أن علمت المخابرات العسكرية الفرنسية أنه يتواجد بكبدانة.

ورواة وقائع هذا الحدث ينقسمون الى صنفين منهم من يقول أن : “.. بومدين نزل ضيفا على المدعو الحاج صالح بنطالب وهو كان مالك لمطحنة حبوب. كما تزامنت زيارته للمنطقة مع مناسبة إحتفاء الكبدانيين بعادة ” تسونا ” التي كانت تقام في البلدة في أوائل أيام عيد ألأضحى، فبينما ألأهالي منشغلون بمراسيم وأحداث هذا التقليد الموسمي قامت طائرتين حربيتين فرنسيتين بإختراق أجواء بلدة كبدانة من بابها الشرقي فقصفت دوار تيجوت بوابل من القذائف بعد أن علم الفرنسيون بوجود بومدين بعين المكان، الذي أفتضح سره بواسطة عملية التنصت على إتصالاته ألا سلكية التي كان يجريها مع قادة الثورة داخل التراب الجزائري، ولم تمض إلا لحضات قصيرة حتى فطن الهواري بومدين وصديقه صالح للأمر بعد سماعهما لصوت الطائرتين فقاما بأفراغ المنزل بسرعة فائقة مهرولين نحو المخابئ التي أعدت خصيصا لهذا الغرض فنجيا بأعجوبة كبيرة بعد أن دمرت القذائف بيت مضيفه وبعض من بيوت ألأهالي ولم تصب قنابل الطائرتين بقية ألأفراد بأي أذى يذكر مجرد بعض ألإصابات الخفيفة الناجمة عن تطاير الحصي و ألأحجار..وما ساعد أكثر على إنقاذ العشرات من الموت والهلاك هو طبيعة الإحتفاء، إذ كان من عادة طقس ألإحتفال، هو خروج الناس من منازلهم لمشاهدة الطواف الذي يقوم به الشباب حول مساكن الدوار مما أعتبر فرصة سانحة للهروب نحو النجاة لشريحة واسعة من ساكنة أيث بنطالب بدوار تيجوت..”

أما الرواية الثانية وهي الأقرب الى الصواب خاصة وأنها مروية من طرف الشهود ومتفق عليها بالإجماع وتقول أن..” بومدين حل هناك ليؤسس مركزا مؤقتا بعد أن إنتقل من ازغنغان و الناظور – حيث يشتمل هذا المركز على عدد مهم من الثوار و معدات حربية تتكون من مدافع و شاحنات عسكرية وبراميل الوقود التي وضعت في منزل السيد حماد لوكيلي المجانب لواد لهلالي، بالإضافة الى أجهزة الإتصال اللاسلكية، وفعلا إنكشف أمر المركز وجاءت الطائرتين ليلا وكان الموسم موسم حصاد وبدأتا التحليق فوق المنطقة وإستعد الثوار لإسقاطهما لقرب إرتفاعهما، غير أن محمد بن طالب قريب الحاج صالح إعترض على إسقاط الطائرتين مخافة أن تقع الكارثة، وبعد أن تعذر عن الطائرتين إكتشاف الموقع بدأتا في قذف القنابل المضيئة هنا وهناك ولم تقذف أي قذيفة من الذخيرة الحية سواء من هذا الطرف أو ذاك، و قبل حلول الفجر إنتقل الهواري بومدين و جنوده و معداتهم العسكرية الى وجهة غير معلومة في إتجاه الشرق .

وروى الشهود أن الدوار الذي عايش الحدث هو دوار أولاد بوزعافر وليس دوار تيجوت كما ذهب إليه الفريق الأول؟!

نورالدين شوقي .. باحث في تاريخ وتراث كبدانة

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: