أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

شهادات لمواطنين ريفيين عاشوا أحداث انتفاضة 1984 بالريف

صحيح إن تدوين بعض الأحداث التاريخية قد تتطلب أحيانا مجهودا لاباس به، لكن ما دمنا واعون بان الأجيال الجديدة التي تسمع من هنا و هناك عن أحداث انتفاضة 1984، فإنها بالتأكيد ستكون متشوقة لمعرفة تفاصيل تلك الأحداث: كيف و متى و أين و من و لماذا ؟

إننا نبدي هذه الشهادات للقراء و المهتمين و المناضلين إيمانا منا بضرورة تدوين ذاكرتنا الجماعية و متمنيا بان تكون بداية لإبداء شهادات أخرى مكملة لها.

شهادة السيد محمد الحنودي-الحسيمة

ذكرى “انتفاضة الخبز والكرامة”، حتى لا ننسى :
تحل اليوم 19 يناير 1984 ( عام الأوباش ) الذكرى الأليمة ل”انتفاضة الخبز والكرامة” في مدن تطوان والحسيمة والناظور وبركان وغيرها من المدن المغربية، حدثُُ عشته شخصيًا في مدينة تطوان التي كنت أشتغل بها مفتشاً للمالية ( سبق لي أن تعرضت له في إحدى المناسبات ) لكن في الإعادة إفادة :

مساء مثل هذا اليوم، كانت مدينة تطوان تعيش حالة استثناء تنفيذًا لقرار حظر التجول تحت طائلة الرمي بالرصاص الحي، مع ذلك – ولا أدري هل كان نوعاً من التحدي أم تهوراً مني أم غباءً أم شيئا آخر – قمت بجولة إلى ساحة “الفدان” على سبيل حب الاستطلاع، كانت الساحة خالية إلا من دبابات الحسن الثاني وعساكره، كان أمامي رجل مسن وطفل صغير أجزم أنه لم يكن يتجاوز آنذاك خمس سنوات.

كنت أسير بحذر شديد، سمعت صوت عسكري يكيل لي كل عبارات السب والقذف، تبعتْه رصاصة استهدفتني مباشرة، لكنها أخطأتني وأصابت الطفل الذي أمامي أردته قتيلاً على الفور، وربما حين سقط الطفل، توقف العسكر عن إطلاق النار، مات الطفل الشهيد ونجوت بأعجوبة.

رحم الله شهداء “انتفاضة الخبز والكرامة”.

شهادة الوافي أهباض أحد المختطفين الريفيين في احداث انتفاضة الكرامة 1984 الذي حكم عليه بعشر سنوات:

تم اعتقالي يوم 18 يناير من سنة 1984 من طرف القواة المساعدة، و تم حبسي لمدة ثمانية أيام بقيادة إمزورن، تحت رحمة التعذيب و الإستنطاق المستمر و الجوع و الحرمان من النوم بسبب قذارة المكان الذي احتجزت فيه، فقد تم منع عائلتي من زيارتي زيادة عن السّب و الشّتم بأبشع الألفاض التي تمس بكرامة الإنسان.

جزوا بي داخل غرفة الإستنطاق وأنا ملتزم الصمت رغم التعذيب الذي كنت أتعرض إليه، كبلوا يدييا الى ظهري و مرروا عصا، وكانوا بين الفينة و الأخرى يضغطون بأرجلهم بقوة وسط ظهري لدرجة أحس فيها أني سأنشطر الى نصفين، بقيت على هذا الحال وقتا طويلا و كنت أفقد الوعي بين الحين و الآخر بسبب الضرب الشديد الذي تعرضت له، قضيت ثلاثة أشهر في مرحلة التحقيق، و تمت إحالتي على المحاكمة بالتهم التالية: (التجمع الثوري، المس بأمن الدولة، تخريب النظام العام، إشعال النار في الممتلكات العمومية، و قطع الطريق العام،…)، و قد عين لي محامي في إطار المساعدة القضائية، لكن لم يسبق لي أن التقيت به، بمعنى أن التعين كان شكليا فقط، وكنت تقدمت بطلب رؤيته، لكن طلبي قوبل بالرفض، و بعد ذلك رفضت بدوري أن يدافع عني شخص لا أعرفه، و خلال جلسة المحاكمة تعرفت على هذا المحامي و طلب منه القاضي الإنصراف على اعتبار أنه وقع تنازل عن القضية، و هكذا حكمت يوم 24 أبريل 1984 بعشر سنوات سجنا نافذا، وكان معي مجموعة من المعتقلين على نفس الأحداث من بينهم الأسماء التالية: اليحياوي حمادي، النوعمار عبد الحكيم، الشملي سليمان، أسويق امحمد، ولاد شعيب جمال، العتابي عبد الحكيم، و بتاريخ 6 يونيو 1984 تم نقلي الى السّجن المدني بوزّان، و كان ذالك في شهر رمضان و بالضبط في توقيت السحور، مع حراسة مشدّدة من الدرك الملكي و رجال الإطفاء و حرّاس السجون، وزادت معانتي في ذلك السجن و أصبت ببعض الأمراض لازلت أعاني منها لحد الساعة.

لقد خلّف هذا الإعتقال التعسفي أثراً سلبية على نفسيتي، و خصوصاً على حياتي المستقبلية، كما أنِّي كنت أتابع دراستي داخل السِّجن، و لحد الآن لازِلت أحتفظ بنتائجي التي حصلت عليها من داخل السجن، لكن بعد حصولي على شهادة الرَّابعة ثناوي أنذاك .. اذ كان علي الإنتقال من وزان الى الدار البيضاء لمتابعة دراستي، لكن لسوء الحظ أخبروني أن هناك قرار يُمنع متابعة الدِّراسة في السجون، لا أعلم هل هذا القانون على العامة أم ضدي فقط.

أسباب تلك الإحتجاجات هي تراكم المشاكل الإجتماعية الإقتصادية و السياسية، و ما زاد الطين بلة هو إقدام الدولة على الزيادات في المواد الغذائية الأساسية في سياق تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي، حيث أن الشعب الريفي كان يكتوي بنار الأزمة، فالريف الذي تعرض أكثر من غيره من المناطق للتهميش و الإقصاء من السياسات و البرامج التنموية…، و كان أهل الريف في مقدمة المحتجين، تَدَخُّل المخزن كالعادة هو القمع و إرهاب الساكنة و الإمعان في تشويه نضالات المنطقة و إطلاق نعوت خطيرة لا داعي لذكرها ( يستحي أن يقول النعوت التي تلقاها أمامي نظرا لكوني إبنه)، فقد كانت النقابات وأحزاب المنطقة قد رفعت مطالب الساكنة من أجل تحسين الأوضاع المعيشية إلا أن الدولة كان لها رأي آخر و هو استعمال أسلوب القمع من أجل تركيع الناس و بث الرعب في أنفسهم و هو ما كان بالفعل، وهكذا تم اعتقال العديد من الشباب و اختطاف الآخرين و حرمانهم من متابعة دراستهم.

مقبرة بعض شهداء ثورة 19 يناير 1984 ( الناظور )

شهادة للسيد مجيد زاج – الناضور

في يوم 19 يناير من سنة 1984 و كان اليوم يوم خميس و لكنه لم يكن كباقي ايام مدينتي الناظور ابتداء من منتصف النهار ؛ كانت هناك صفوف من المتظاهرين شباب من كل الاعمار طلبة و تلاميذ و مواطنون خرجوا جميعا للاحتجاج في كل الشوارع و في كل الأزقة جماعات جماعات لم يكن هناك تنظيم واضح يتحكم في هذه الاحتجاجات ؛ احتجاجات عفوية و عشوائية اندس في وسطها بعض الفوضويين من أجل زرع البلبلة ؛ تكسير لواجهة الابناك في شارع يوسف بن ناشفين؛ هجوم على سيارة أحد الأطباء المشهورين آنذاك في الناظور و تمكنه من الفلات بعد تكسير زجاج سيارته الخلفية الفولفو الوحيدة التي كانت في الناظور في تلك الفترة ؛ تجار يسارعون في إغلاق محلاتهم . تدخل من العسكر بألياتهم من بنادق و سيارات عسكرية و هليكوبتر تحوم في السماء .

البدأ في إطلاق الرصاص و الاعتقالات العشوائية ؛ هروب جماعي للمتظاهرين و غير المتظاهرين في جميع الاتجاهات فالقمع لا يفرق بينهم ؛ الكل يحاول النجاة بنفسه ……

شهادة السيدة وردة العجوري أخت نور الدين العجوري

شقيقي “نورالدين” رحمه الله تم اختطافه خلال الانتفاضة التلاميذية لسنة 1984 ، و سنه لا يتعدى الرابعة عشر من عمره.ورغم صغر سنه، كان طويل القامة ، قوي البنية والشخصية…

ثلاثة أيام والوالد يبحث عنه بالمستشفى والمخفر لكن دون جدوى .إلى أن تم الإفراج عنه وهو جثة هامدة ، صحيح انه لم تتوقف أنفاسه…لكنه كان لا يقدر على الكلام او الأكل ، ولا الجلوس أو الوقوف أو النوم….ملابسه ممزقة…جروح ودماء بجسده….
توفي بعد ذلك في حادثة سير بعدما كان مستعدا للهجرة إلى أوروبا.

رحل….وماتت معه طموحاته واحلامه…
وحتى المطالب التي خرج من أجلها ، لم تتحقق بعد ، للريف الغالي.

شههادة عابد بلياسم – الحسيمة:

بصفتي أحد الضحايا الذين حوكموا تعسفيا اثر الأحداث الإجتماعية ليناير 1984 بالحسيمة و قد أصبت بالرصاص الحي بشارع سيدي عابد ليتم اختطافنا من منزلنا بتاريخ 18 يناير 1984 و تم احتجازي بمخفر الشرطة بالحسيمة لتتم احالتي بتاريخ 24 يناير 1984 على المحكمة، التي أصدرت حكما بالسجن لمدة 6 أشهر و غرامة مالية قدرها 100 درهم، بتهم الإخلال بالنظام العام و المس بالإحترام الواجب للسلطة و المشارمة في مظاهرات غير مرخص لها و قد تعرضت للتعذيب خلال الإستنطاق، و بعد إطلاق سراحي تم حرماني من العمل الذي كنت أمارسه كعامل بالإنعاش الوطني بعمالة الحسيمة.

و من أسباب هذه الأحداث فهي اقتصادية و اجتماعية و من تمظهراتها الزيادات المهولة في أسعار المواد الغذائية الأساسية تنفيذا لسياسة التقويم الهيكلي مذكرا هنا بإضرابات البحارة و التلاميذ و كيف تحول التحام هذين الطرفين الى هزة اجتماعية كبرى زاد من قوتها استعمال القوة في حق المتظاهرين و تم استعمال الرصاص الحي و القنابل المسيلة للدموع، فقد كانت تلك الفترة لغة القمع هي السائدة و تبرير ذلك بأن المتظاهرين كانوا يحاولون الهجوم على مقرات المخازنية بوسط المدينة للإستيلاء على السلاح.

شهادة محمد بوينزاري – أزغنغان

في مثل هذا اليوم من سنة 1984 ، آنذاك كان عمري ستة عشرا عاما وحين كانت الساعة تشير إلى الثانية عشرة زوالا فوجئنا -في قرية جعدار وبالضبط عند مدخل طريق إحدادن الرابط بالطريق الرئيسية بين أزغنغان والناظور- بحشد من الأطفال والشباب يرددون شعارات عبرت عن حالة الاحتقان و الإستياء من الأوضاع الاقتصادية الخانقة.

اتجه الجمع صوب السوق الأسبوعي بقرية أزغنغان و نحن في دهشة من أمرنا مما يحدث حولنا ولم نكن ندرك ونعي ما ستؤول اليه الأوضاع. و بعد أقل من ساعتين سمعنا من بعض الشهود أن الحشد الكبير انفض خوفا من أزيز الرصاص الحي الماكر. كما سمعنا أن أحد الشباب سقط مقتولا في أزغنغان ومع ذلك لم نستوعب الأمر.كما اعتقل في نفس اليوم أحدهم وهو لا يزال يرتدي ثوب عمله في جعدار عند محل بوجمعة المدعو “الشابيستا . وقد حكم عليه لاحقا بعشرة سنوات سجن نافدة قضاها في سجن مدينة تازة. الكل أصيب بالدهشة والذهول كون هذا الشاب الذي حرم من التعليم ومن أبسط متطلبات الحياة،والذي لم يشارك في الإضراب ولم يقترف أي ذنب و إذ يُساق ا به الى هذا العقاب الجائر. في اليوم العشرين من ينايرلوحظ الكر والفر بين أطفال وشباب الحي الضائع و الجيش المدجج بالأسلحة الثقيلة, لحظات عشناها وكأننا في حالة حرب غير متكافئة بين فلسطينيين عزل و صهاينة غاصبين.

لازلت اتذكر مكان رصاصة غادرة صوبت نحونا وكأنها تتعمد إزهاق الأرواح البريئة. حوصرنا في منازلنا ومورس علينا إرهابا لم نشهده من قبل في وطن كنا نحسبه وطنا لنا بالرغم من التهميش الذي تعاني منه المنطقة منذ الاستقلال. بعد الظهيرة اتجهت مع بعض أصدقاء الطفولة (عمر، سليمان، أحميدة وآخر لم اتذكر اسمه) صوب كدية السبت في جعدار وجعلنا من أحد الأعمدة الكهربائية في قمة الكدية ملاذا آمنا لنا وبدأنا نلعب لعبة (أشكامبا) وفي نفس الوقت أتاح لنا هذا الموقع الاستراتيجي إمكانية متابعة كل ما يحدث في الأحياء المجاورة كإحدادن القريب و بعد لحظات من المنافسة بعيدا عن الكر والفر وأزيز الرصاص, سمعنا أصوات عويل الأمهات الثكالى والأطفال من مكان غير بعيد. إنه الجيش الغاشم الذي بدأ يقتحم المنازل في قرية إحدادن لاجل اعتقال ما تقع عليه عيونهم ،. بدا وكأن الجيش كانت مهمته إرهاب الشجر و الحجر وكل شيء يتنفس وزج الشباب في المعتقلات انفض جمعنا بسبب صوت ارتطام رصاصة غادرة كانت عازمة على إزهاق الارواح مع عمود كهربائي .

وفجأةبدأ الركض وقلوبنا تكاد تتدحرج من حناجرنا. سمعنا أزيز الرصاص يطاردنا. ظننت آنذاك انني حطمت كل الأرقام القياسية العالمية في العدْو . بحثنا عن ملاذ آخر كنا نظنه آمنا. إلا انه و بعد التقاط الأنفاس جلسنا وشرعنا في لعب الكارطا مرة أخرى. على بعد أمتار كان أحمد (أخ الصديق أحميدة) جالسا على عتبة منزل والده. قبل بضعة أسابيع حضرنا حفلة زفافه. سمعنا أحمد ينادينا محذرا بصوت خافت ومشيرا إلى بعض أفراد الجيش الذين كانوا يقتربون منه شيئا فشيئا ظنا منه بأنهم كانوا يطاردوننا. هرعنا مسرعين في اتجاه آخر و سمعنا أزيز الرصاص يطاردنا مرة أخرى. أحميدة دخل خلسة في أحد منازل الجيران، الصديق الذي نسيت اسمه دخل بيته بأمان ولم يبقَ إلا سليمان وأنا. استطعنا أن نفلت من الرصاص تارة اخرى منطرف أفراد الجيش الغاشم الذي أرهبنا وأرهب أمهاتنا.واخيرا لم نجد سوى شاحنة الخضر والفواكه المملوكة لوالد المرحوم صديق أسباعي كملاذ لنا.

اختبئنا في مكان الصناديق الفارغة كالجرذان وعشنا لحظات رعب لاتنسى ,سمعنا ونحن مختبئين بأن أحمد- الذي كان ينبهنا- أخرج من بيته عنوة صوب المدرعات المتواجدة على طول طريق أزغنغان وحكم عليه جورا سنتين في السجن. سمعنا أيضا باعتقال عبد الله (سنة سجن )وغيره. ونحن مختبئان وراء صناديق البطاطس الفارغة دار حوار خافت بيني وبين سليمان حول السبل التي يمكن لنا استعمالها لأجل الوصول إلى أمهاتنا بسلام. سليمان قرر الإلتجاء إلى منزل فارغ محاذِ للطريق الرئيسية المؤدية إلى أزغنغان والناظور. المنزل تعود ملكيته للمسمى حدو أبوهاري المعروف باختلاله العقلي . قررت المجازفة ومشيت في صمت وحذر في الأزقة الضيقة بدءا من منزل المرحوم الطاهر بويغارضاين مرورا بمنزل المرحوم السي أعنانو. بعد كل خطوة خطوتها كنت وكاني الفظ انفاسي الأخيرة من الرعب. كنت أتصور كل ثانية ان احدا من الجيش قد يباغتني معتقلا إياي .. وماذا سيكون وقع ذلك على الوالدة وإخواني الصغار.

كنت في كل مرة أستجمع أنفاسي مدعمة بجرعات زائدة من الأدرينالين لكي أخطو أطول الخطوات لاصل البيت رغم أن منزلنا لم يكن يبعد مكان تواجدي إنها عناية الله عزوجل ودعوات أمي التي التقطتها عبر الأثير هي التي أعادتني إلى البيت سالما. مازلت أتذكر دموع أمي الممزوجة بالفرحة التي غمرتها وهي تراني واقفا معافا بين إخوتي.

شاهد على الرصاص

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: