أخبارأخبار الرئيسيةتاريخمجتمع

زلزال الحسيمة.. آيث قمرة “لك الله يا ثازاغين وما جاورها”

دوار صغير، لا يتـجـاوز عـدد الأسر التي تقطنها المائتين، تازغين بلدة ذاع صيتها، كواحد من الدواوير الأكثر تضررا بفعل الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحسيمة قبيل بزوغ فجر الثلاثاء 24/02/2004، وهوت إليه كما إلى غيره من الدواوير والمناطق المتضررة أفئدة المحسنين ومحبي الخير من سكان الريف والعالم. فمنهم من قـدم المواساة والدعم فـور سـمـاع الـخـبـر / المأساة. وقـد كـان أهل الناظور في الطليعة – عـاشـر الله خطاكم يا أهل الناظور – ، وثلـثـه أفواج المحسنين الذين جابوا المسالك ووصلوا إلى أقصى المداشـر يـوزعـون الـخـبـز والحليب والجبن، وشرائط البلاستيك، وكلما سمحت به طاقـاتـهم ، فكانوا نعم الـعـزاء. وعـاش الناس حوالي 10 أيام على ما وفرته لهم أيدي المحسنين ثم تناقصت الإعانات… وانتهت. وبعد أسبوعين خلت المسالك من السيارات، فـانـتـبـه الناس إلى وضعهم، وتوجهت الأنظار إلى مـسـاعـدات ” المخزن ” الذي عاهدنا حضوره على أبوابنا حين يتعلق الأمر بواجب علينا دفعه لإحدى المؤسسات التابعة للدولة أو المتعاقدة معها، بإشعار أول، فان، ثم ب…، فسجلوا غيابه شبه الكامل، بينما كنا نسمع نبرته المعهودة كل يوم على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، وهو يرسل العـالـم رسـالـة اطمئنان على حـال أهل النكبـة التوزيع العادل لكلما وصلت يده من كم هائل من المساعدات، واسـتـعـمـال أحـدثن وكل الوسائل المتوفرة لديه من أجل ذلك.

لتنوير الرأي العـام أورد هذه المعلومـات وليس ردا على بعض ممثلين بالبرلمان – الذين يتقنون فن الكلام، لأن البقية صامته على عهدنا بهـا منذ زمن – حين أعلنوا من تحت القبة المشـرفـة” أن أهل المنطقة المنكوبة قـد أتـخـمـوا بالمساعدات الغذائية، وأن هذه الأخيرة قد فاقت حاجات السكان بكثير، واعتبروا هذا من أخطاء الدولة، لأن هذا كلام لا يستحق الرد.

فلله دركم أيها الممثلون الرسـمـيـون لآلامنا وآلام أهالينا، هل وقف أحـدكم علـى حـال الناس في بوادينا هنا ؟. ثـم عـايـن وأحـصـى حـاجـاتهم التي لا نهاية لها، أقول لعموم الناس، لم يحضر منهم أحـد إلينا إلى اليـوم. وأتـحـداهـم بذلك. بل منهم من مال لأهله ” وبطانته الانتخابية”، ومنهم من حـسـد المشرديـن حـتى في إعانة المحسنين ومنهم من…

أما من مساعدات المخزن، فقد وصلتنا حقا، حاملة معها الكثير من الحقد والشكاير الذي رمت به من عـالـي . فهل كان الأمـر يـحـتـاج إلى توزيع بالطائرات الـعـمـوديـة ؟ حـتى وإن تعلق الأمـر بدواوير تازغين وأيت زكـري وأيت داود وأغـبـال وتكنسة …؟

.. إنهـا بـهـرجـة ” المخزن ” على سالف عهـده فقد كانت الطائرات العمودية بأكياسها الزهيدة الثمن والقيمة نذير شؤم وزارع الفتنة القرى المنكوبة ، الذين تحركت في نفوس أغلبهم مختلف نوازع الطمع والحاجة، وقد صدق فيهم قول علي بن أبي طالب كرم الله وجـهـه : ” كاد الفقر أن يكون كفرا ” . فهل كان عسيرا أن تحمل تلك الأكـيـاس على متن سيارات وشاحنات لتوزيعها بشكل عادي بين المحتاجين ؟ ، لربما الشاحنة الوحيدة لحمل كلما رمت به الطائرة الـعـمـودية منذ أول يوم إلى حين توقف سقوط الأكياس من السماء على مساحة دوار تازغين…، هذا مع العلم أن المناطق الأكثر تضرراً لا تبتعد على مدينة الحسيمة بأكثر من 50كلم مع أحـتـسـاب المسالك المؤدية لأناى الدواوير ، وكلها مسالك وطرق صالحة لعبور مختلف أنواع السيارات وقد رأينا جميعا كيف عبرها العاهل المغربي بسيارته الملكية الخاصة خلال زيارته لدواري أيت زكـري فـي أجـواء مطيـرة دون أدنى مشقة تذكر والأدهى من كل هذا وذاك حين نرى ممثلا للسلطة بالمنطقـة يـعـتـرض طريق بعض المحسنين بتازاغين ، وبعد الاطلاع على بطاقات هويتهم يطلب منهم الكف عن توزيع المساعدات ، ” لأن السكان قـد أخـذوا كـفـايـتـهم من كل شيء، والدولة قامت بالواجب على أكمل وجه، ولم يبقى الآن سوى إعادة الإعمار ، وسيتم الشروع فيه قريبا…. كلام يطرب السامعين، ويطمئن النفوس القلقة والقلوب المكلومة .. من يسمع هذا الكلام يظن أن أهل النكبة في هذه الدواوير سيحولون خـيـامـهم الصغيرة التي تبرعت ب 4/3 عددها جمعية إسبانية ، غادرت المنطقة بصورة غامضة ومفاجئة، بعد أسبوع من بدء عملها بالدوار ، إلى دكاكين لبيع المواد الغذائية والأفرشة والأغطية.

وهنا أسجل مرة أخرى أن أهم ما استفادت منه كل أسرة للدوار من المركز الإجـتـمـاعي الذي بعد نقطة التوزيع الرئيسية 50كلغ من الدقيق و 10لترات من زيت الطعام 05كلغ من الكسكس و 05كلغ من الأرز أغطيـة من النوع المتـوسط وفراشين صغيرين حجما وسمكا، و 10كلغ من السكر ن و 06علب شـاي صغيرة وعلبتين من الجبن و 18علب من السمك المصبر ( السردين ) مع بعض المساعدات على شكل حصص جزافية لذوي شهداء الزلزال . وحتى لا نغرق في الأرقام ، جب أن ننبه إلى كون هذه المساعدات تمنح لأسر ما يقل عدد أفرادها عن 06أفراد، ويصل أحياناً إلى 14فردا ، كما أنها وزعت خلال مدة 20يوما مما قلل من أهميتها، بالنسبة لأسر فقيرة.

فقدت كل ما كانت تملكه: منازلها وبهائمها التي كانت تعتبر أهم مورد اقتصادي لها بعد الزراعة التقليدية. بل وفقدت حتى قوة عضلات الكثير من شبابها ، إضافة للكثير من التجهيزات ، بدءا من الفـرن الـتـقـلـيـدي وصـولا إلى المشط والمرأة – عـوض الله لكم ولـلـمـحـسنين الذين آزروکم یا اهل النكبة – ، بالله عليكم يا من يرى في هذا زيادة على الـحـاجـة ، هل ترون أنه يكفى أسركم الثـريـة والصغيرة لمدة 10 أيام ؟.. ولا حديث عن الأفرشة والأغطية هل قدرنا أن تسبغ الواجهة بالألوان الزاهية دائما ، حتى وإن تهدم البناء ؟ أنـتـم هـنـاك يا من يمثلنا أن ينوب عن أصواتنا المبحـوحـة ؟. هل لا بد أن نكرر ” كولوا العام زين “. هل أخطأت الصحافة الأجنبية حين نقلت حال القرى المنكوبة في الأيام الثلاثة الأولى بعد الزلزال ؟. أليس الأهالي من انتشل مـوتانا وكل الضحايا من تحت الأنقاض ؟ أليسوا من دفن موتاهم ، أليسوا من حـمـل جـرحـاهم إلى المستشفى الوحيد بالمنطقة … وبعد أربعة أيام من انتظار نجـدة الدولة ، وصلت 60 خيمة متوسطة لإيواء 200 أسرة بدوار ثازاغين ، أما الدواوير التابعة لجماعة الرواضي فقد كان نصيبها من مأساة أكبر اذ انتظر سكانها حوالي 10 أيام ليستفيد ربع عدد الأسر التي تقطنها بخيام صغيرة عن طريق القرعة ، ليبقى الباقي تحت رحمة تغيرات أحوال الطقس الرديئة إلى أن نفذ صبر المشردين ، فخرجت على إثره مسيرة جماهيرية كبيرة انطلاقا من سوق أحد الرواضي في اتجـاه مـقـر الولاية بالحـسـيـمـة، فـسـار الغاضبون مسافة 17 كلم على الأقدام ، قبل أن يتم توقيف مسيرتهم بأيت قمرة وبعد مفاوضات مع الوالي تلقى المفـاوضـون وعـودا بتحقيق مطالبهم عاجلا.

أهذا هـو الاحـتـواء السـريـع لآثار الزلزال بإمكانات مغربية فقط يا أصواتنا الجهورة ، يا من ينوب عنا في الشكوى والكلام ؟

أيها القابعون وراء مكاتبكم ، أيها الغارقون في حساباتكم الشخصية ، أيها المتخمون ببؤس الفـقـراء المشردين ، لم نطلب منكـم عطاء ولا إحسانا ، فهذه ليست عادتكم ، ولكن طلبنا منكم قـول الـحـق لأنكم تـعـرفـون جـيـدا أن مـالا يوافق الحق لغـو وفـاحـشـة فالشعب الريفي أظهر كعادته أنه قلب حي كبير ، وفي العالم قلوب حية كثيرة جدا أحسسنا بتضامنها ، ولمسناه سمعا وعـيـانـا . لماذا تـتـهـمـون الـبـؤسـاء بـالـجـشع ؟ والجـوعي بـالـتـخـمـة ؟ أيبقى ذنب الخروف في عيـون الذئب أنه دومـا الذي عكـر مـاء النـهـر الجـاري ، حـتى وإن كـان فـي أسـفل المصب ؟. اخـرجـوا ولـو مـرة لـتـقـفـوا على حقيقة الأمر بأنفسكم. فما أقسى نوم المشردين تحت شرائط البلاستيك، وما أزهد أن ينتظروا إعانتكم، وما وما أجـوع من تكلفـتـم بـتـوفـيـر غـذائـه، وما أظل من يصدق كلامكم… وأخشى مـا أخـشـاه أن يطول انتظارنا لإعادة الإعـمـار أو تتكرر كارثة زلزال 1994حين توارت كل المساعدات خلف الأستار، فيتخم جوعنا أكثر… ألا فاستروا عفتنا بتخمتكم ، خير من أن تفـضـحـون بأخـذنـا لبـعـض حـقناً فيصبح السنتيم بأوصـاف الدرهم في عـيـون جشعكم.

بقلم عبد الرحمان الزكريتي، عن جريدة ثيفراز ناريف

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: