أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

رجال من الريف.. القايد حدو موح أمزيان، أمغار وقايد محلة عبد الكريم الخطابي

ظهر اسمه من بين “إمغارن” الذين كان محمد عبد الكريم الخطابي يجتمع بهم استعدادا لوقف زحف الإسبان لاحتلال آيث ورياغل؛ هذه القبيلة التي ظلت وحدها محررة من الوجود العسكري الإسباني بعد توطيد الحماية الإسبانية على الريف منذ ١٩١٢، وشروع “قيادة مليلية” في احتلال قبائل الريف الشرقية وقبائل جبالة من الناحية الغربية. القائد حدو موح أمزيان البوخلوفي، سيصبح كبير إحدى محلات المقاومة الريفية بزعامة الأمير محمد عبد الكريم الخطابي (١٩٢١-١٩٢٦)، ثم عُين قائدا تحت الحماية الإسبانية إلى أن أقيل دون علمه في أواسط الخمسينات.

هو عمي الكبير، وبيته في بني بوخلف قد اندرس تماما، وقد برز اسمه كمقاتل عنيد منذ عهد “الريفوبليك”. وتحكي الروايات الشفهية المتواترة أنه تعرض مرارا للتصفية الجسدية في إطار الثأر المعمول به خلال تلك الحقبة المضطربة من الفوضى غير الخلاقة، إذ كان الدم يُثأر بالدم. وإلى حدود الوقت الراهن نسمع من كبار السن كيف كانت البندقية تعوض اللسان والعقل في حل النزاعات والخلافات.

بصفته أحد “إمغارن” قسمة آيث بوخلف، أسهم القايد حدو في المقاومة التي نظمها الشريف سيدي محمد أمزيان عقب اندحار بوحمارة عام ١٩٠٨، ثم اتخذ “أشبار” المقاومة في ثلاثاء أزلاف. وكان تنظيم المقاومة آنذاك يتم بالتناوب بين القبائل الريفية بعد استشهاد الشريف سيدي محمد أمزيان، إلى أن آل مشعل المقاومة للزعيم محمد عبد الكريم الخطابي عام ١٩٢١، فالتحق القايد حدو بصفوف المقاومة كأحد العسكريين البارزين، إلى تاريخ استسلام الخطابي في قرية كمون للقوات الفرنسية عام ١٩٢٦.

كان القايد حددو من بين القيادات العسكرية التي آثرت الاستسلام للقوات الإسبانية مع مجموعة من المجاهدين غير بعيد عن قريته.

ويحكي التاريخ الشفهي المتواتر أنه حينما سلم سلاحه للإسبان، وكان بمعية مجموعة من المحاربين، سألهم الضابط الإسباني: من هو قائدكم؟ فسكت الجميع، ثم نطق القايد حدو: أنا قائدهم. فقال الضابط الإسباني: فأنت قائد الآن أيضا. طبعا لا يمكن التأكد من هذه الرواية من الوجهة التاريخية المستندة على المصادر الموثقة، ولكن من المعروف أن الحماية الإسبانية بعد انتهاء المقاومة، عمدت فعلا إلى الاستعانة بمجموعة من القيادات و”الإمغارن” الذين قاموا بأدوار مهمة تحت راية عبد الكريم. ومن هذا المنطلق، يقال إن إسبانيا لم تحكم على محميتها الشمالية إلا بشكل إداري صوري.

تُتداول عدة حكايات عن القايد حدو، وكلها تبرز جوانب من شخصية هذا الريفي الذي حنكته التجارب، وجعلته واحدا من الوجوه التي طبعت تاريخ المنطقة على مدى عقود.

من بين الحكايات أنه تعرض لدسائس من قبل خصومه لدى الإسبان حينما توطدت الأمور لهم، واحتجوا على تعيينه قائدا يحسب له حساب. وحينما بلغه الأمر، قال: أنا كنت في صغري قائدا حتى على الرعاة (رقايذ إمكساون)!! وكأنه يريد القول: إنه قائد بالفطرة أولًا ثم بالتجربة والشجاعة. كان مقر قيادته في قرية امنوذ ، ويزور المناطق التي تقع تحت نفوذه في أيام انعقاد السوق الأسبوعي كما هو الشأن في آيث بوعياش أو أو أربعاء تاوريرت. ذات مرة جيئ بحصان لمركز باينتي حيث ينتهي الطريق السيار آنذاك، ومن هناك يمتطي الحصان إلى مقر القيادة في أربعاء تاواوريرت. وحدث أن كان معه آنذاك المراقب المدني الإسباني الذي اعتقد أن الحصان له، وحينما امتطى المراقب المدني الحصان، طلب القايد حدو من المترجم أن يقول للإسباني: انزل وامسك بذيل الحصان، أما الحصان فهو لي!!

في بداية الخمسينات، ذهب وفد من الريفيين الذين يقعون ضمن دائرة قيادة القايد حدو إلى المندوب السامي الإسباني في تطوان وذبحوا ذبيحة، أو ما كان يسمى ب”رمي العار”، أمام الكنيسة في تطوان، طالبين إعفاء القايد حدو من منصبه، الأمر الذي استجاب له الإسبان، إلا أنهم لم يجرأوا على إبلاغه، وظل القايد حدو يزاول مهامه لمدة حتى بلغه الأمر بطريقة غير رسمية. وبهذا الصدد يورد دافيد هارت في كتابه “آيث ورياغل” (الطبعة العربية)، ما يلي: “كان عامل “رعار” أداة حاسمة في إقالة ارقايذ حدو من منصبه… كان أهالي آيث بوعياش .. أو على الأقل المجموعة التي عبرت علنا عن رفضها لبقائه قائدا عليهم، هم السبب في إقالته … ولم يتمكن أي موظف إسباني من تحمل مسؤولية إخبار ارقايذ حدر بقرار إقالته، وقد علم هذا الأخير بالأمر صدفة، مما أثار غضبه الشديد وإحساسه بالظلم وجعله بالتالي يغيب عن الأنظار، ويلزم منزله بآيث بوخرف لما يزيد عن السنة. لم يعين أحد في منصبه إلا بعد مرور ثلاث سنوات عن إقالته”. (ص. ٥٧٣ بتصرف).

توفي القايد حدو عام ١٩٥٥، تاركا اسمه لامعا في تاريخ الريف منذ بداية القرن العشرين، وما يزال الكثير من الريفيين يتناقلون إلى اليوم تفاصيل حكمه ونوادره وفطنته وذكائه الفطري في حل المشاكل.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: