أخبارأخبار الرئيسيةسياسةمقالات الرأي

كيف نقرأ واقع الريف على ضوء رواية 1984؟

في رواية (1984) يتخيل الكاتب «جورج أورويل» أن هناك، في دولة ما، أربع وزارات تشكل الجهاز الحكومي، إحدى هذه الوزارات هي وزارة “الحقيقة”، وهي “تختص بشؤون الأخبار، ووسائل اللهو، والاحتفالات والتعليم، والفنون الجميلة”، وكان “ونستون”، الشخصية الرئيسة في الرواية، يعمل موظفًا في وزارة الحقيقة، ويقوم بمراجعة كل المطبوعات وإعادة صياغتها بما يتوافق مع ما يراه الحزب الحاكم: “فالتاريخ كله كان بمثابة لوح تم تنظيفه لإعادة النقش عليه بما تستلزمه مصلحة الحزب”.

وهو ما شهده ويشهده الريف مع نظام الدولة المخزنية، حيث قامت بحبس كل أنفاس التغيير، وكل إشارة جنينية لأي حركة اجتماعية تنشد الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، ولو اقتضى الأمر استعمال القوة العسكرية والتي نزلت فعلا إلى الشارع لكبت صوت الشعب لصالح فكر الرصاص، وبالتالي حصر هامش الحرية في نقطة انطلاقها.

بشكل أدبي روائي يكشف “أورويل” عن ثنائية مهمة جدا في فهم كيف تتشكل السُلطة الحديثة بشكل عام، وهي ثنائية السُلطة والمعرفة، فلا وجود حقيقي للسُلطة دون المعرفة؛ وتتحول تلك الثنائية “السلطة والمعرفة” داخل الأنظمة الشمولية الحديثة إلى شيء واحد؛ بحيث تُصبح السُلطة هي المعرفة؛ أو بمعنى أدق: السُلطة هي أداة احتكار إنتاج المعرفة.

لذلك نجد السلطة المخزنية تحكم يدها على كل المؤسسات بما في ذلك الجامعات بوصفها دوائر توليد المعرفة، ودور النشر والمنتديات بوصفها وسائل تنشر المعلومة، فلا تخلوا هذه المؤسسات من مخبري النظام، ولا يستطيع الدكاترة والأستاذة الجامعيون التعبير عن داوخلهم قط، إلا بما يرضي النظام الحاكم، فتغرق الجامعات بالفصائل والإيديولوجيات المتناحرة ويغيب دورها الإيجابي داخل المجتمع، ولا يجرؤ صحفي على قول الحقيقة، وإن فعل فمصيره معلوم.

فقد رسم “أورويل” في الرواية صورة عالم شمولي -خيالى إلى حدٍ ما- عالم مبني على شيوع ثقافة المراقبة، وهدم كل أشكال الثقة التي قد تتشكل بين الأفراد، ورغم أن رواية “أورويل” ليست كتابا نظريا عن ظاهرة الشمولية، إنما يمكن العثور فيها على غالبية تلك العناصر التي نجدها في النظريات السياسية حول النظام الشمولي، حتى في تلك النظريات التي ظهرت بعد كتابة الرواية.

فبذلك انتقل النظام المخزني لإسكات كل صوت يصدح بالحقيقة، فمن عصا كان مصيره السجن، وذلك ما حدث مع نشطاء حراك الريف السياسي، ثم بعد ذلك الصحفي توفيق بوعشرين، وسليمان الريسوني وعمر الراضي، الذي لم يكتف النظام بسجنهم بطلانا، بل سعى لتشويه سمعتهم اجتماعيا، إذ لفق لهم تهما واهية، ولم يسلم أهل الفن الإحتجاجي من بطش النظام الحاكم، فقد لفق لهم تهما لا تخطر على بال الحمقى بله العقلاء.

وكما تقول “حنة أرندت”، فقصّة التوتاليتارية، أو الشمولية ليست قصّة قوة تنتهي بالوصول إلى السلطة والاستيلاء على أجهزة الدولة، إنما هي قصة الهيمنة الشمولية. هيمنة متمثلة بالحضور والنشاط في مجمل الأبعاد الاجتماعية والنفسية للمجتمع والأفراد، قصة تستمر فيها السُلطة بالتمدد لتأكل المجتمع بأسره؛ مكونة حالة عدمية قاتلة للسياسة والذات الفردية وكل أشكال المجتمع المدني.

وتلك حالة نعيشها اليوم كإثنية ريفية ناضلت تاريخيا من أجل كينونتها، وكمجتمع أمازيغي لم يكتب له الطريق للديمقراطية والحرية، ويبقى السؤال الجوهري، هل ينتظر الأمنيون والقائمون على هيبة الدولة زلزالا لا يبقي ولا يذر حتى يفهموا أن الإدارة حرفة والسياسة فن؟

نوال سيبيرا

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: