أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

حرب أسكواس البارود 1893م.. يوم تحالف المغرب مع إسبانيا ضد أهالي الريف

بداية القصة كانت في يوم 29 شتنبر من سنة 1893م حينما شرع الجيش الإسباني بإقامة أسوار جديدة حول محيط مدينة مليلية، وقام أهالي قبيلة قلعية بإستنكار هذا القرار التوسعي .

حاول سكان قبيلة قلعية توقيف الجيش الإسباني بوسائل سلمية، فكتبوا ملتمسا إلى ملكة إسبانيا “Marina Christina”، يترجون فيه عدم إقامة السور، وإذا كان لابد منه فليشيد في مكان أخر على الأقل بعيدا عن المقبرة وضريح الولي “سيدي ورياش”.

سلموا هذا الملتمس إلى الجنرال “Juan Jose Margau ” الحاكم العسكري لمليلية، الذي بدوره حوله إلى السلطات العليا بمدريد، الا ان رد العاصمة الإسبانية كان “”.. إفعلوا ما ترونه مناسبا أيها الجنرال فلكم واسع النظر””. ولما ذاع خبر عدم قبول الطلب إندلعت إحتجاجات سكان الشرط الحدودي وبجانبهم أبناء قبيلة قلعية، تحولت إلى نوع من المشادات مع الجنود الذين يشيدون الأسوار، وفي إطار الشد والجذب، كان هؤلاء يبنون في النهار وأولئك يهدمون في الليل. إستمر الأمر على هذا الحال الى أن حدثت بعض المناوشات بالسلاح الخفيف ودامت هذه الأخيرة ثلاثة أيام كاملة إلى غاية اليوم الثاني من شهر أكتوبر، وهذا، دفع الجنود الإسبان الى الإنسحاب والإحتماء بالأسوار القديمة لمدينة مليلية.[1]

تفاقم الوضع وإزداد تصعيدا وأعلن الأهالي الحرب صراحة . وعلى خلفية هذه الأحداث توجه وفد يتكون من العديد من أعيان القبيلة ورؤساء الفرق إلى قبيلة كبدانة من أجل طلب المد والعون وفعلا قد لبى رؤساء قبيلة كبدانة الدعوة فبدؤا في إستنفار الناس لنصرة قبيلة قلعية وضحوا بالغالي والنفيس فداءً لهم. [..] إنظموا إلى حلف أيت شيكر، فرخانة ومزوجة فتوالت المساعداة من مختلف قبائل الريف الشرقي إلى أن أصبح عدد المقاتلين المسلحين في حدود أواخر شهر سبتمبر يبلغ 30000 ألف [2].

إندلعت على إثرها حرب طاحنة بين المقاومين والقوات الإسبانية وكثرت الضحايا من الجانبين مما دفع وزير الشؤون الخارجية لإسبانيا ” Jose Mondo Morri” يعجل بتوجيه رسالة إلى سلطان المغرب يطلب فيها معاقبة المعتدين الريفين الذين هاجموا جنود بانيي الأسوار على الحدود[..] كما أرسل برقية في الموضوع إلى ممثلي إسبانيا المعتمدين لدى دول ألأجنبة ليحيط هذه الدول علما بما يجري على حدود مليلية، وبأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى إعلان حرب شاملة على الريف و المغرب.

وكانت أراء الدول الأوروبية في عمومها تركز على التهدئة وحل المشاكل بالمفاوضات السلمية، إلا أن إسبانيا لم تأبه لذك فبدأت في قرع طبول الحرب وتجمع قواتها العسكرية لإرسالها من الضفة الشمالية إلى مدينة مليلية، لكن ضروف إسبانيا في تلك الفترة عرفت عدة صعوبات، كانت تعيق تجميع قواتها وذلك، نتيجة هزائمها المتكررة في القارة الأمريكية، مما جعل الجنرال “Maragau”، لم يستطع أن يتوصل في ضرف 20 يوما بأكثر من 2000 جندي قادمة من إسبانيا نتيجة قلة التجهيزات والوسائل الوجيستكية، ولم يكن هذا العدد كافيا لحماية المدينة المحتلة نتيجة توافد عدد هائل من المقاومين على منطقة الشريط الحدودي المتنازع عليه.

في يوم 26 من أكتوبر 1893 إنتهى الإسبان من إتمام بناء الخنادق حول حصون المدينة القديمة لمليلية وشقوا الطريق نحو سيدي ورياش، وفي اليوم 27 خرج الحاكم العسكري لمليلية يتفقد حفر الخنادق في حصن المعازيز العليا بمعية نائبه الجنرال “Ortega” وكانت الحصون المحيطة للمدينة محاصرة من قبل المقاتلين الريفين ولم يتمكن الإسبان في فك هذا الحصار، إلا أن الجنرال ” Maragau” أراد أن يقدم المثال الأعلى للجندي الإسباني في الإستمالة على القتال، فخرج للتحدي مع مجموعة من الجنود لمواجهة المقاومين فكانت النتيجة أن دفع ضريبة تحديه وتعديه بإردائه قتيلا بالمعركة، وكانت الحادثة مولد معركة حامية الوسط إسمها ” معركة مليلية” على يومين كاملين27 و 28 أكتوبر سنة 1893م وأحدثت أنباء مصرع الحاكم العام لمليلية هلعا كبيرا في الوسط الحكومي والعسكري و الشعبي بإسبانيا خاصة حينما بدأت طلائع من نعوش الموتى والجرحى تصل إلى ميناء مالقا، وفي نفس الوقت بدأ الإسبان في تجميع القوات بمختلف وحداتها للعبور إلى مليلية في إنتظار أوامر وزارة الدفاع لإعلان الحرب رسميا، أما على المستوى الحكوي فكانوا ما زالوا ينتظرون جواب سلطان المغرب عن الإجراءات التي يمكن إتخاذها ضد المعتدين على حصون مليلية ومقتل الجنرال “Maragau”، لكن السلطان الحسن الأول كان في جولة بتافيلالت مما تعذر عليه وعلى الإسبان التوصل بجواب في الموضوع.

إلا أن في 8 نونبر من سنة1893م إستجاب السلطان المغربي لجميع مطالب إسبانيا مقابل تهدئة الأوضاع ومنها الإقرار بتأديب المسؤولين عن الحوادث كما أبلغهم أنه بصدد إرسال بعثة عسكرية إلى عين المكان بالشريط الحدودي، وفي يوم 12 نونبر أرسل السلطان رسالة أخرى للسلطات الإسبانية يخبرهم بأنه أوفد على رأس البعثة أخاه مولاي عرفة لتأنيب أبناء القبائل الريفية، وفي الوقت ذاته سيعقد إجتماعا بقواد القبائل هناك، وفي يوم 20 نونبر وصل الأمير مولاي عرفة إلى الشريط الحدودي وبدأ اللقاء مع الجنرال “Macias” الحاكم الشرعي العام لمليلية ثم مع الجنرال ” Martinez Campos” قائد القوات العسكرية التي نزلت المدينة المحتلة والمفوض العام لإسبانيا وبعد لقاءات متعددة لم يجد مولاي عرفة بدا إلا الرضوخ للرغبات الإسبانية، وكانت أولى هذه الرغبات..تسليم من أسموهم بالمعتدين أو الجناة المشهورين أو أعيان القبائل منهم:

ميمون المختار الذي كان يتحرك داخل قبائل الريف الأوسط والشرقي و محمد بن الهادي الشكري، حمو العربي،علي بن محمد بن عبد الله، علي الروبيو، علي مورنو، بالإضافة إلى أحد شيوخ زاوية هرك القادرية لمساهمتهم المتعددة في تحريض الناس على المقاومة.

وقد ألقي المخزن القبض عليهم ليسلمهم بعد ذلك إلى السلطات الإسبانية لمحاكمتهم بعد أن نقلوهم في قارب إسباني في إتجاه طنجة حيث سيحاكمون هناك طبقا للقانون المغربي المنظم للعلاقة مع الأجناس، ومن أعيان المنطقة المتهمون في حوادث مليلية من أقتيد إلى وجهة أخرى كالقايد علال الشكري الذي سيق إلى سجن وجدة وبقي فيه مدة سبع سنوات إلى أن مات هناك بالتهمة ذاتها[3].

وبدافع الإنتقام لم تكتفي إسبانيا لكل ما إستجاب له السلطان المغربي من تنازلات لصالحها بل جيشت جيوشا كثيرة باغت به أهالي كبدانة في صبيحة أحد الأيام من سنة 1893م [..] وأمطرت قرى ومداشر بالقذائف هدمت القرى بكاملها وأحرقت المحاصيل الزراعية وقتلت العديد من الأبرياء من النساء والأطفال دون أن يطلب المخزن التعويض لهؤلاء [4]، وتم كذلك معاقبة كل المتهمين المشاركين في الحرب وتعددت العقوبات بين السجن والنفي ودفع الغرامة والقتل، وعرفت هذه المأساة عند أهالي منطقة كبدانة في ذلك العام ب: “حرب أسكواس البارود” أو ” أسكواس ل – بورقي.

المراجع
3،2،1- عن جريدة تاويزا الصادرة في 10 فبراير2010،العدد154
مقال للدكتور: مصطفى الغديري “ضربة المدفع التي مددت حدود مدينة مليلية المحتلة في القرن 19 ـ صفحة15و16
4 – maria jose madriaga -cronoca de una historia ,ed.de melilla -2000p103

نورالدين شوقي باحث في التاريخ والتراث الكبداني.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: