أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

في ذكرى رحيل أحد رجالات الدولة الريفية .. القائد “أخريرو”

عرفت مرحلة النصف الأول من القرن العشرين قيام حركة المقاومة المسلحة الريفية، في كل أرجاءه نتيجة الحملات الاستعمارية المسعورة من طرف كل من الإسبان في الشمال، والفرنسيس في الجنوب الريفي، وأما هذه الحملة الغير مسبوقة، كان الريفيون أمام أمرين، إما الاستسلام لقوات الأعداء، أو المقاومة بالإمكانيات البدائية البسيطة، وقد اختار الكثير من الريفيين الوقوف بشرف وقوة وعزيمة أمام هذه الجيوش الغازية، واختار البعض الاستسلام والتقهقر وحتى العمالة والخنوع.

وأمام هذا الزحف المتواصل، كانت الريف أمام وقائع مهيبة، صمدت فيها صمود الأبطال، ودافعت دفاع الشجعان، من أجل الدود عن كرامة أبنائها، وعزة نسائها، وحرمة أراضيها، فكان في الريف الغربي نماذج عدة بذلت الغالي والنفيس في سبيل تحقيق الوحدة والتصدي للأعداء، كالشريف أحمد الريسوني والقائد احميدوا السكان، أما في الريف الشرقي والأوسط، فكان هنالك أبطال أخرون، كالبطل الريفي محمد أمزيان ورئيس جمهورية الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي وغيرهم كثير.

ونحن في هذا المقال، نود تسليط الضوء على شخصية ريفية تاريخية مهمة، كان لها دور كبير في تحقيق الانتصارات المبهرة على الإحتلال الإسباني والمغربي، وفي نفس الوقت ساهمت في توحيد الريف تحت راية الرئيس الخطابي، واستمرت بطولات هذه الشخصية إلى أن سقطت في ساحة الوغى، مخضبة بدماء الكرامة وحب الريف الوطن.

وانطلاقا مما سبق ذكره، فمن هو القائد الحزمري محمد أسبوا الملقب باخريرو؟

هو أحمد بن محمد أسبو الحزومري، الملقب بخريرو، قائد وبطل من قبيلة بني حزمار الجبلية، كان من كبار الأبطال الذين قادوا المقاومة المغربية، وانتصروا في عدة معارك فاصلة .

ولد الصنديد أحمد بن محمد أسبوا الحزمري بمدشر دار غازي جماعة الواديين، بقبيلة بني حزمر حوالي 1868، وكان ينتمي إلى عائلة فقيرة

بدأ نجم اخريرو يسطع مع الهجمة الاستعمارية على قرية تازروت وتصدي المقاومة الريفية لها. في هذه الأثناء نظمت الجماعة التي ينتسب إليها اخريرو سنة 1920م خطة محكمة لخطف ضابط من القناصة، ينتمي إلى حامية “إيزردوي”، وقد كللت هذه الخطة الشجاعة بالنجاح المبهر، استقبلتها قلوب الريفيين الجبليين بالفرح والسرور، مما أكسب هذه الجماعة سمعة عالية وطيبة بين الأهالي، وزاد من عزيمة هؤلاء، وحثهم على وضع خطط أكثر تأثيرا من سابقتها، فهيئوا لهذه الخطة استراتيجية خطيرة، تجلت في ضرب العمق الاستعماري للإسبان، عن طريق خطف أحد أفراد عائلة الطريس “ابنته”، وشخصية وزير الأحباس، “علي السلاوي، وذلك سنة 1921م.

في شهر ماي من سنة 1922م، استولى المقيم العام القائد الأعلى للقوات الإسبانية على مركز قيادة الريسوني “تازروت”، وأرغم الشريف الريسوني على الاعتصام بأدغال جبل بوهاشم، وخلال هذه الهجمة الشرسة، فقد الريسوني أقوى قادة معاركه، المعروف ب-احميدو السكان- وعلى إثر هذه الهجمة المسعورة خضعت أغلب القبائل المسيطر عليها للقوات الغازية، وظهر بذلك عجز قوات الريسوني على مجابهة تعزيزات القوات الغازية المؤلفة من طوابير عدة مدججة بأعثى أنواع الأسلحة المتطورة.

كانت هزيمة أنوال الساحقة، قد ألقت بظلالها على القوات الإسبانية التي تقهقرت من جميع مراكزها بعد أن تلمست القبائل إمكانية الثورة والانتصار عليها من جديد، فظهرت حركات تمرد قوية ضد الاحتلال الأجنبي، زاد من زخمها الزحف الريفي بمعية القبائل الغمارية الملتحقة بالجيش الريفي على المجال الغماري والزروالي. لكن الأحداث في الجهة الغربية كانت تسير في عكس تيار الشرق، فقد بدأ الريسوني اتصالاته مع القادة الإسبان للوصول إلى التهدئة، وبالفعل تم التوصل إلى قرار للتهدئة بين الزعيم العليل والقادة المنهزمين، وعليه عاد الزعيم إلى قرية الزينات، والذي كان محاطا بجو مليء بالدسائس والمؤامرات والضغوط من أجل توزيع المناصب. وفي هذه الأثناء برز اخريرو، بعد أن انتظر كثيرا للانتصاف من فدية السلاوي، وصار يعرف أنه بإمكانه أن يأخذ حقه، وذلك بمنحه قيادة قبيلة بني حزمار الجبلية، ولكن في سياق ذلك، كان خصمه الحرطيطي –الذي لا ينسى الريسوني وفاءه له في شدته، بدأ بالتربع على عرش قيادة القبيلة.

اجتمع اخريرو بالزعيم الخطابي، وذكر له مستوى الإحباط الذي بلغ بالأهالي في ناحية اجبالة من تصرفات الريسوني، فعرض عليه خدمته. ونتيجة لذلك رجع بعد مدة وجيزة من الريف في حركة –كتيبة- مؤلفة من عناصر ريفية وأخرى غمارية، كانت أول ما قامت به حصار “أمتار”، وأثناء هذا الحصار، قام عملاء له بحشد الناس، وتهييج الأنفس، وتهيء الميدان، لتقوم بؤر الثورة التي أخذت تتفجر في مختلف النقاط بمنع أي إمدادات تتجه نحو مركز واد لاو، مما اضطر الجنرال بريمو دي إلى اتخاذ خطوات دفاعية. فأضحى بهذا العمل اخريرو زعيم الثورة في كل من قبائل اجبالة وغمارة.

وأما تفاصيلها الدقيقة، فقد جرت سنة 1924م؛ حيث قامت القوات الغمارية والجبلية بمعية قبائل بني سعيد، وقوات بن عبد الكريم، بمحاصرة القوات الإسبانية في معسكرها في واد لاو، فأرسلت النجدة الأولى إلى كوب دسته التي كانت محاصرة من جميع جهاتها، فأفنيت بأجمعها، فتلتها الثانية والثالثة في الهزيمة والفناء. كان الكومندان افرنكوا يومئذ بواد لاو، فهرول إلى تطوان، يعرض نفسه وجنوده لإنقاذ كوب دسته. فمشى إلى قصده، وما أدركه، لأن الثورة كانت امتدت إلى ضواحي شفشاون وتطوان، فقطعت المواصلات بين البلدين وطنجة”.

بعد تحقيق الانتصارات الساحقة ضد الجيوش الاستعمارية وقوات الريسوني، ألحق عبد الكريم قيادة قبائل بني حسان وبني حزمار وبني ليث وبني سعيد لاخريرو، إلا أن الارتياب من شخصية اخريرو كان يطغى على القيادة السياسية الريفية، بسبب فشل اخريرو في حصاره لكدية الطاهر سنة 1925م، تلك العملية التي كان لها بعد استراتيجي بالنسبة لابن عبد الكريم الخطابي، إلا أن هذه العملية كان لها أثر محدود، في مقابل الهجمات الإسبانية التي بدأت تتقوى بفعل المساندة الفرنسية والمخزنية للإسبان. إلا أنه في بعض الأحيان كان يتجاوز هذا الضعف بسبب التعزيزات التي كانت يتوصل بها من قبيلة غمارة.

بعد انهزام الخطابي في سنة 1926م، واستسلامه للقوات الفرنسية، سيكون أثر هذا الاستسلام على القبائل الغمارية واضحا، فقد انهارت أغلب المراكز العسكرية، ولحق بالإسبان كثير من قادة هذه المراكز، وبالتالي صار اخريرو ومن معه من الثوار في جملة الهاربين من القوات الإسبانية الذين لا يستطيعون الاستسلام بسبب بطولاتهم السابقة ضد القوات الاسبانية والمغربية، لذلك صاروا يضغطون على القبائل الأخرى لرفض الاستسلام للقوات الإسبانية والمغربية، إلا أن الأوضاع كانت تنذر بالأسواء، فقد سقطت شفشاون في يد الإسبان، واستسلمت بعض القبائل الساحلية، ومع هذه المستجدات أيقن اخريرو ومن معه بضرورة المقاومة إلى أخر رمق.

خلال هذه المرحلة العسيرة من صراع اخريرو ضد الإسبان والمخزن، لم تتوقف مساعي الإسبان والمخزن من أجل ترغيب اخريرو في الاستسلام، إلا أنه كان يرى أن الاستسلام لن يكون ملائما إلا بعد يوليوز 1926م، أما بعد استسلام عبد الكريم، فلا مجال لذلك، فرجاله الأشاوس يقفون أمام ذلك، فليس من السهل إقناع الغماريين والجبليين ممن ضحوا في سبيل حماية الوطن لقرون عدة بالاستسلام، لهذا كانت المقاومة هي الحل.

بقي المجاهد أحمد اخريرو يقاوم في صفوف المقاومة الغمارية والجبلية مدة 6 أشهر كما أسلفنا، وكانت حرب عصابات، وفي أواخر سنة 1926م، واصل القائد اخريروا القتال فدارت بينه وبين إسبانيا معارك عديد، ويوم 3 نونبر 1926م، وقعت معركة في مركز يسمى “كدية السبيط”، يقودها الإسباني سان خورخو، والتي قادها بنفسه معية مجموعة من ثوار الجبال الغمارية والجبلية، وثوار قبيلة بني يدر، حاولوا على إثرها صد تقدم هذه الفرقة التي كانت تتجه إلى قلب مركز المقاومين، إلا أنه بعد مناوشات قوية، توقف القتال فجأة، ولم يفهم السبب، واتضح فيما بعد أن البطل اخريروا قد لقي مصرعه في تلك المعركة. حيث استشهد في ساحة الشرف أثناء اشتباكات مع الأعداء، فحمل أنصاره جثته إلى جبل بني عروص، حيث دفنوها على مقربة من ضريح مولاي عبد السلام بن مشيش

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: