أخبارأخبار الرئيسيةمقالات الرأي

الريف والأندلس، قصة شعب دفع الثمن غاليا

قليل من الباحثين، من سلط الضوء على طبيعة العلاقات الايبيرية الريفية، والتي تعود بنا الى ماقبل التاريخ، فضفتي بحر البوران لم تكونا فقط مراسي وموانئ من أجل التبادل التجاري، بل أيضا كانت تشكل نقط هجرات متبادلة، وخاصة اثناء العصر البوني.

وذلك، عندما توسعت قرطاج داخل الأراضي الايبيرية لضمها لامبراطوريتها أثناء حربها مع جمهورية روما الناشئة، وهنا سنتقلب الأمور بشكل أوبأخر، بحيث سيتدخل الريافة القدماء (المرنيسيون Maurensii)، في حروب بقيادة ملوكهم، رفقة حلفائهم النوميديون والرومان، لاسقاط قرطاج بعد الاستيلاء على أراضيها والحاقها لروما او لممالكهم المحلية.

التواجد الريفي القديم بايبيريا، سياسيا سيحسم ضم ايبيريا لحلف يوليوس قيصر ضد غريمه بومبيوس، اثناء الحرب الأهلية القيصرية وذلك في معركة موندا سنة45ق.م، بعد تدخل الملك بوغود بفرق خيالته المرنيسية من موريطانيا القديمة (الريف قديما).

وهذا يدل على مدى القدرات اللوجيستية للشعب الريفي القديم في الوصول للضفة المقابلة له، وهذا ما سيتأكد خلال الهجومات الريفية البحرية على مستعمرات روما بالوادي الكبير جنوب ايبيريا، خلال القرنين الثاني والثالث ميلادية.

دراسة Iñigo Olalde et al 2019، التي فحصت جينوم رفات ايبيرية من مختلف العصور ومنذ 8 ألاف سنة، أوضحت أن تدفق الأسلاف الريفية نحو ايبيريا بدأ فعليا مع بداية العصر الروماني، ولم يتوقف نهائيا الا مع طرد الموريسكيين في القرن17م.

وان كانت عقيدة ملوك الشمال المسيحي في العصر الأندلسي، قد غذت مشروعية طرد المسلمين الريفيين، بكونهم غزو أراضيهم وهو ماتقوم عليه شرعية الملكية الكاثوليكية الاسبانية باعتبارها الموحدة للبلاد الايبيرية والمطهرة لها من الأجانب، فإن هذا لا يعدو أن يكون سوى تبرير سياسي/ايديولوجي.

فالايبيريون قد تزاوجوا وتصاهروا مع الريافة منذ العصر الروماني وليس فقط في العصر الاسلامي مرورا بالعصر القوطي، وهو ما يدعونا لقراءة التاريخ بشكل متأني، لفهم الحقيقة التاريخية، بعيدا عن تهمة “الغزو” بسبب حملة طارق بن زياد.

هذه الحقيقة التاريخية، هي نفسها التي تؤكد لنا، أن من دفع ثمن تواجده بايبيريا منذ قرون خلت، ترجم عبر الابادة والطرد الجماعي، هو نفسه من عانى حقيقة من جور الاعتداءات الايبيرية خلال القرون التي تلت سقوط غرناطة، وماعانه من تدمير لمدنه الساحلية واحتلالها، ليبدأ مسلسل المعاناة الطويل منذ حرب ايسلي وتطوان، وحرب مليلية ثم باقي حروب الريف المتتالية.

بل حتى الى يومنا هذا، فالمعاناة هي نفسها تتكرر، دافعة أبناء الريف نحو الهجرة عبر قوارب الموت شمالا نحو ايبيريا من أجل تحسين مستوى معيشتهم ومعيشة عائلاتهم، بسبب مايعانيه الريف من ظلم اقتصادي واجتماعي و ثقافي من طرف حليفة اسبانيا الجنوبية.

انها نفس الأسطوانة تتكرر عبر الزمن في جغرافيا ضفتي بحر البوران، لكن للسياسة وللايديولوجيا رأي أخر…

صفحة المزمة الثقافية

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: