أخبارأخبار الرئيسيةثقافة وفنون

رقصة ثيوسي.. صورة من الصور الإحتفالية لدى المجتمع الريفي الكبداني‎

قد يثير إنتباه زائر منطقة كبدانة، بالريف الأوسط، مجموعة من المظاهر الإحتفالية الشعبية ك : غناء أراي، لعبة فولش، رقصة بوعتلا، عادة ثسونا، رقصة ثيوسي ..وغيرها من المظاهر.

وهذه الإحتفالات الشعبية او الفلكلورية: كانت عبارة عن مظاهر ثقافية إجتماعية تتجسد كأفعال جماعية، ذات جذور تاريخية عريقة، كما انها كانت شكل من أشكال التجمعات التي تتميز بالحرارة العاطفية ودفء التواصل، التي كانت تتم فيها المشاركة الوجدانبة بعيدا عن أي ترشيد أو توجيه مؤسساتي، لأنها بكل تواظع، تراث شعبي ينطلق من عمق المجتمع بكل عفوية، يعبر فيه الأهالي عن التقارب و التلاحم وعن الرقي والأصالة الحضارية لمنطقتهم ككل.

و من بين هذه المظاهر إلاحتفالية الشعبية التي سنعرفها ونقربها للقارئ الكريم اليوم نجد” رقصة ثيوسي”: وهي رقصة فلكلورية تؤدى جماعيا بمنطقة كبدانة.

ولمعرفة المزيد حول هذا الفن الأصيل، لابد أن نتطرق في بحثنا المتواضع هذا الى تعريف الرقصة لغويا وإصطلاحيا، مع ذكر الاجواء المصاحبة لها.. اي ذكر مكان العرض وكذا الألات الموسيقية، اضافة الى معطيات ثقافية خاصة بساكنة البلدة..

تعريف رقصة ثيوسي:

تعتبر رقصة ثيوسي موروثا ثقافيا فنيا ذو دلالة إجتماعية حضارية عميقة..، تقترن هذه الرقصة الفلكلورية بالحفلات و الأعراس والمواسم، وتتخذ طابعا جماعيا في شكل هندسي أفقي متقابل غالبا ما تؤديها النساء و في بعض الأحيان الرجال.
وثيوسي لغويا : تعني الدعم و المساهمة في اللغة الأمازيغية والتي جاءت من فعل أَوْسْ بمعنى سَاعدْ – سَاهمْ– سَاندْ.

أما ثيوسي إصطلاحيا: فكانت تطلق على الهدايا التي كانت تجلبها النساء كمساهمات يساعدن بها العروسة قبل أن تزف الى بيت زوجها و تتمثل في النقود، العطور،اللباس، الذهب و الفضة…الخ، و مع مرور الزمن وبحكم إلزامية هذه المساهمات أصبحت هذه العادة بمثابة قانون عرفي تحولت فيه هذه المساعدات الى غرامة تلتزم النساء بدفعها للعروسة عند كل مناسبة زواج، ولا يخفى على أحد أنه إلى حد اليوم مازالت تقام هذه العادة في الأعراس ويطلق عليها إسم ” الَغْرامَة” وهذه الأخيرة ماهي إلا ترجمة حرفية بالعربية للمصطلح الأمازيغي- ثيوسي – Thiwssi

المكان والعرض:

يتم التحضير لهذا الرقص الغنائي في فناء المنزل الذي يعرف محليا ب ” أَنْغُورْ” Abghur ينظف المكان و يرش بالماء وتوقد في إحدى زواياه النار لتسخين جلود الألات الإيقاعية “لبنادر” او “الدفوف”.

وعند إستشعار الرغبة في تأدية رقصة ثيوسي من طرف النساء يتم إختيار أعضاء المجموعة على عدة معايير منها القامة وتقارب الصوت فينقسمن الى مجموعتين متقابلتين يتكون كل صف “إسْدي” Isdy بالتساوي من الناحية العددية، وقبل بدء العرض تقوم شاعرة الفرقة “ثَزْرَاعْثْ” Thazra3th بإنشاد بيت شعري يقال له ” أَزْرِيعْ” Azri3 ويتكون هذا الأخير من شطرين:

نصف المجموعة يردد الشطر الأول والنصف الأخر يردد الشطر الثاني، فتبدأ المشاركات بقرع الدفوف جماعة معتمدات على الوزن الشعري الثقيل والإيقاع الثقيل فيقف الصف الأول بينما الثاني يتراجع الى الخلف بخطوات بطيئة متناسقة على إيقاعات الدفوف ثم يرجع هذا الأخير إلى وضعه السابق مرددات أبيات شعرية تدور حول مواضيع مختلفة كذكر محاسن العروس و العريس و التباهي بأخلاق عائلتهن و عن العصبية و الإنتماء من شرف وعز وكرامة مثال على ذلك:

لالة تَاسْليتْ نَغْ ؤُرْ تْرُو وَرْ سْرُو يَمَّامْ // يِسْ غًرْ ثَوُّرْثْ أَكَذَمْ رَاحَنْ أَيْثمام
يا عروستنا لا تبكي فتبكين أمك // الفرس عند الباب سيرافقك إخوتك.

فيسرن على هذا الحال وتتعدد مواضيع الأشعار “إزرعن المغناة وتتنوع، فيبينن عن براعتهن وقدرتهن على الإبداع الشعري للتعبير عن مشاعرهن الصادقة، وحين يوشكن على إنتهاء عرض رقصة ثيوسي تنسل إمراتين من داخل كلا الصفين رافعات الدفوف الى الأعلى إيذانا بالإنتقال من الإيقاع الثقيل الى الإيقاع الخفيف و تسمى هذه الخطوة بتفوست Thfusst.. و(تفوست تعني احيانا المدة الزمنية من كل عرض) ويعتمد فيها على سرعة الأداء وحركة الراقصات وخفة الأبيات ويكون شعره حماسي عاطفي مصحوبا بالزغاريد والصياح و طلقات البارود مثال على ذلك:
أحنيني رْبُو مَمِيشْ أد إِرَارْغْ شْوايْتْ ..( بمعنى) يا عزيزي أَحزم ولدك كي ارقص قليلا

معطيات ثقافية:

بحكم الإنسان ميال بالفطرة الى التعبير بالجسد و الإيماء نجد أن العديد من المدعوين يودون مشاركة شاعرات ثيوسي رقصتهن خاصة صنف الذكور وهو أمر مستحب شريطة أن يكونوا من الأقرباء و منضبطين للقانون الثقافي الذي يحكم الجماعة وهو الحرص التام على عدم إختلاط النساء بالغرباء وذلك حفاظا على الثوابت الحضارية و القيمية و الثقافية للمجتمع الكبداني من أجل صيانة كرامة العائلة و القبيلة وهو تعامل تقابله المرأة بنوع من القبول و الرضى المصحوب بكبرياء وأنفة و إفتخار بأنوثتهن فيبررن سلوك الرجال بأنه خوف عليهن من كل مكروه ودليل على مكانتهن في قلوب الأزواج وفي أذهان الأباء و الإخوة.

ألة الإيقاع و المظهر الخارجي لراقصات ثيوسي:

يعتبر البندير او أَرْكُوثْ Arkuth، الألة الأكثر شيوعا و توظيفا في رقصة ثيوسي، وهو ألة نقرية تمسكها الناقرة وتوقع عليها بأصابعها أو بكامل كف يدها وهو دائري الشكل مصنوع من الخشب (ؤُولي) Ully يلصق عليه جلد سميك نقش بالحناء و يتوسطه خيطان مطاطيان قويان يساعدان على تحقيق ظخامة الصوت يدعيان ” إِنَزْنَازَنْ ” Inznazen، لذا نجد البندير ألألة الأكثر إنتشارا بالمنطقة إذ لا يكاد منزلا يخلو منها.

  • المظهر الخارجي للمجموعة. المظهر الخارجي للمجموعة، يتمثل في اللباس التقليدي الذي يجعلهن قريبات الى بيئتهن و يرمز الى الهوية و العراقة ك أقرفطان، A9urftan أدفين Addfin ، ثقندورث Tha9ndurth ، لزار، Lizar.
    وهذا الاخير يربط بمشابك تسمى “إِغَنَّاسَنْ” Ighnassen كما يزينن أعناقهن بسلسلة طويلة محاطة بنقود فضية تسمى “ثَمْرَيسْثْ ” Thamrissth، أما في الأذن فيضعن حلقات تسمى “ثِوِينَاسْ” Thiwinass و تأخذ أشكالا غالبا دائرية كما يزينن أيديهن بخلخال مستدير ومسنون يدعى “ثَمْقْيَاسْثْ” Tham9yassth.. ويضفن سلسلة من اللبان الحر تسمى “ثَسَدْشْث نْ وَذْمَامْ ” Thisdeçt nw Admam وكذلك أبياس Abiassوهو حزام أحمر داكن يلف ويربط حول خصرهن، وغالبا تحزمه النساء الطاعنات في السن.

-نورالدين شوقي.. باحث في تاريخ وتراث كبدانة.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: