أخبارأخبار الرئيسيةتاريخثقافة وفنون

الثروة الطبيعية في الريف الشرقي، استغلال حديد الريف في العصور الوسطى والحديثة

تلعب المعادن، خاصةً معدن الحديد دورًا مهما في حياة الإنسان، نظرًا لاتساع وتعدد مجالات استعماله. وباتت حاجة الإنسان إلى الحديد تزداد مع التطور والتقدم البشري. ذلك أن الإنسان انتقل من الاستعمال البسيط للحديد في صنع أدوات الفلاحة والحفر والتقطيع والأسلحة اليدوية؛ إلى بناء الآلات العملاقة والعربات وشتى أنواع وسائل النقل وقطع الغيار والمصانع العملاقة، وغير ذلك مما توصل إليه التقدم البشري في عصرنا الحالي. وعلى هذا الأساس كانت الإمبريالية الأوربية، التى جاءت كنتاج للثورة الصناعية وما أفضت إليه من حاجة الدول الصناعية إلى المواد الخام بشكل عام والحديد بشكل خاص، تهدف بالدرجة الأولى إلى التنافس حول مصادر تلك المواد الخام والاستيلاء عليها واحتكارها. ستقدم في هذا المقال نموذجًا من مناجم الحديد التي كانت هدفا للتناقفس الإمبريالي الأوربي؛ قبل احتلال المنطقة المتواجد فيها من طرف الإسبان، وهي مناجم الحديد بالريف الشرقي الغنية بمعدن الحديد من أجود أنواعه في العالم؛ مند بدايات الاستغلال الأولى، مرودًا بالتنافس الأوربي والاستغلال الإسباني للمعدن؛ إلى تسليم الريف للمغرب، وعودة ملكية المناجم إلى الريفيين.

تعتبر منطقة الريف من المناطق المعروفة مند أزمنة قديمة بوجود معدن الحديد واستغلاله والاتجار فيه من طرف السكان، وحسب شرح قدمه مهندس معادن إسباني بمناجم بني بويفرورا(1) لأحد الزوار خلال فترة الاستعمار الإسباني حول تكون معدن الحديد بالريف، فإن جبل كوروكوا(2) القريب هو جبل بركاني، كان ثائرا في العصور الجيولوجية القديمة ثم خمدت ثورته؛ وكان يقذف الحمم فتسيل الصخور المتهبة الذائبة على جوانب الجبل على شكل لافا، ولم تتكون من تلك اللافا معادن على سفوح نفس الجبل لأنها كانت تبرد بسرعة، أما في الناحية المقابلة للبركان فإن المواد الملتهبة والمنصهرة كانت تتجمع فتقع تحت الضغط، وتبرد في بطء شديد فتتحول إلى معادن نافعة؛ أي إلى هذا الحديد النفيس(3).

وإذا كنا لا نعرف متى بداً استغلال الحديد بالريف على وجه التحديد، فإننا نقف على إشارة تعود إلى القرن الثالث عشر الميلادي حيث أورد عبد الواحد المراكثي في (المعجب) أنه “فيما بين سبتة ووهران موضع قريب من ساحل البحر يسمى تمسامان، فيه معدن حديدا”(4). وفي القرن السادس عشر نجد مع الحسن الوزان أن مناطق كرت والريف الشرقي عموما كانت كثيرة الإنتاج لهذا المعدن حيث أشار إلى أن مدينة مليلية “لها إقليم كبير ينتج كمية هامة من الحديد والعسل”(5). ويقول حين حديثه عن مدينة أمجاو الواقعة على بعد نحو عشرة أميال غرب تزوطة(6)، أن جميع الجبال المجاورة لها كانت بها “مناجم حديد يعمر العمال المشتغلون فيها العديد من المداشر والقرى”(7). أما عن جبال آيث سعيد الممتدة – حسب نفس الصدر – من غساسة(8) إلى النكور(9) غربا، فكانت تستخرج من أراضيها كميات كبيرة من الحديد، وكان “لكل عامل في المعدن داره قرب المنجم مع ماشيته ومعمله الذي يصفي فيه الحديد وينقل التجار هذا الحديد إلى فاس في شكل سبائك، لأن عمال المعادن لا يعرفون كيف يحولونه إلى قضبان، وما لا يباع منه يستخدم آلات كالمجارف والفؤوس والمناجل، وكذلك لصنع أسلحة لهؤلاء الفلاحين، إذ لا يمكن استخلاص الفولاذ من هذا الحديد(10)، ونفس المعطيات التى تحدث عنها الوزان نجدها بعده عند مارمول كارباخال سواء فيما يتعلق بأحواز مدينة مليلية(11)، أو بالجبال المجاورة لأمجاو(12)، وكذلك ما يتعلق بجبال آيث سعيد، عدا كون هذا الأخير خلط بين آيث سعيد الريفية وبني سعيد الغمارية(13)، ومن هنا يتضح أن كارباخال استقى معلوماته من الحسن الوزان نفسه.

أضاف الوزان في معرض حديثه عن جبل وردان (آيث وليشك حاليا) الذي يتاخم جبال آيث توزين، مشيرا إلى سوق كانوا يقيمونه هناك يوم السبت على ضفة نهر صغير، وكان “يلتقي فيه معظم فلاحي كرط.، ويأتي إليه كذلك عدد مهم من تجار الحديد، وتتم المبادلات التجارية بأجهزة الخيل وبالزيت في مقابل الحديد، إذ لا تنتج بلاد كرط الكثير من الزيتون(14) “وقد أشار مارمول كارباخال أيضا إلى هذا السوق إلا أنه لم يذكر تجارة الحديد فيه“(15)، أما فيما يتعلق بآيث بويفرور المعروفة بهذا المعدن في الفترة المعاصرة؛ فإن الوزان حين ذكرها، وإن لم يذكر الحديد بالضبط، إلا أنه أشار إلى أن جبل (ازكنكن (16))، “لإنتاجه لا يقل عن إنتاج الجبال السابقة”(17)، هذا ونجد في مخطوط (رسالة في تاريخ المغرب) المعروف بمخطوط ميشيغان، وهو لكاتب مجهول، ويعود إلى الفترة العلوية، خاصة عهد المولى سليمان، إشارة مهمة أثناء الحديث عن قبيلة تفرسيت؛ وهي أن هذه القبيلة “لها معدن من الحديد موجود الآن يتصرف فيه بخدمته ويصنع منه الحديد ويباع في الأسواق(18).

أما في القرن التاسع عشر، خاصةٌ قبل بروز التهافت الأوربي على معادن الريف، فنجد أن موضوع وجود واستغلال معدن الحديد بالريف قد تراجع إلى طي النسيان، فعلى سبيل المثال الفرنسي أوجست مولييراس صاحب كتاب المغرب المجهول، رغم اهتمامه بكل شيء في الريف، خاصة ما يتعلق بالثروات الطبيعية، إلا أنه لم يشر إلى هذه المسألة حتى أثناء حديثه عن آيث بويفرور نفسهاء هذا بالرغم من أن المادة الطوبونيمية التي أوردها عن بعض الأماكن تحمل إشارات ذات دلالة على وجود هذا المعدن في زمن ما كإشارته إلى وجود واد بتمسامان يسمى واد الحديد، وهو نهر صغير يحد بين آيث بوداوود وآيث موسى وعمر(19)، وكذا ذكره لقرية الحديد التي تستخدمها آيث بوداوود بتمسامان كمرفاً لها(20).

الاحالات المرجعية:

‎(1) قبيلة بالريف الشرقي, وهي إحدى القبائل الخمسة المشكلة لمجموعة قبائل قلعية.

(2) جبل معروف بالمنطقة ذكرته المصادر الجغرافية القديمة باسم جبل هرك.

(3) محمد وهبي, «رحلة جوية من تطوان إلى مليلية», جريدة الوحدة المغربية, السنة 4، العدد 155

‏(4) عبد الواحد المراكشي, المعجب في تلخيص أخبار المغرب, ضبط وتصحيح محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي, الطبعة الأولى, مطبعة الاستقامة القاهرة.

‏(5) الحسن بن محمد الوزان الفاسي, وصف إفريقياء الجزء الأول، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، الطبعة الثانية، دار الغرب الإسلامي، بيروت.

(6) مدينة أو قلعة تازوضة (بالضاد) كانت توجد فوق جبل كوروكو, وقد تكون القبائل المحيطة بها استمدت منها اسم قبائل قلعية.

(7) الحسن الوزان, م.س‎ ، ص.343

(8) مدينة قديمة كانت توجد بمنطقة الريف الشرقي.

(9) اسم نهر بالريف الأوسط, ومنه استمدت إمارة النكور الإسلامية اسمهاء وكذلك عاصمتها مدينة النكور التي خربت على يد المرابطين.

(10) الحسن الوزان, م.س‎ ، ص.344-345

‎(11) مارمول كارباخال, إفريقياء الجزء الثاني, ترجمة محمد حجي ومحمد زنيبر وآخرون, دار نشر المعرفة, الرباط 1984ص.258

‎(12) نفسه. ص.264

‎(13) يقول عن آيث سعيد: “جبل كبير جداء ويتاخم إقليم الريف, حيث يفصل بينه وبين إقليم كرت نهر تكور. وهو منقسم إلى ثلائة فروع: آيث سعيد, وآيث منصور, وبني وليد, وكلهم أغنياء أبطال من قبيلة غمارة” انظر: مارمول كارباخال, م.س, ص.266

‏‎(14) الحسن الوزان, م.س, ص.342

‏‎(15) مارمول كارباخال, م.س, ص./1117

‏‎(16) الحسن الوزان, م.س, ص.267

(17) بلدة أزغنغن الصغيرة الموجودة بالقرب من مدينة الناظور.

‏‎(18) مخطوط رسالة في تاريخ المغرب في عهد السلطان المولى سليمان (مخطوط ميشيغان) ص.9

‎‎(19) أوحست مولييراس, المغرب المجهول, الجزء الأول: اكتشاف الريف, ترجمة وتقديم عز الدين الخطابي, منشورات تيفراز الريف2، دار النجاح الجديدة 2007 ص.109

‎(20) نفسه. ص. 11

فريد الموساوي بتصرف

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: