أخبارأخبار الرئيسيةأخبار دولية

دير شبيغل الألمانية: الأساليب الجديدة لقمع الأصوات المزعجة في المغرب

“مشكلتي أنني لازلت أحتفظ بالأمل”، تقول سعيدة الكامل وهي تضحك، رغم أنها تبدو غير سعيدة. هذه الصحافية البالغة من العمر 36 سنة قلقة بشأن زميلها، رئيس التحرير السابق بالجريدة التي جمعتهما، سليمان الريسوني، تقول في اتصال هاتفي مع “دير شبيغل”: “إن حياته في خطر”. فالريسوني يخوض إضرابا عن الطعام منذ أربعين يوماً.

يقول المسؤولون إنه بصحة جيدة وأنه يتلقى عناية طبية. غير أن زوجته والمنظمات الحقوقية تقول إن وضعه الصحي متدهور للغاية، وبهذا الصدد تقول سعيدة الكامل: “إن ما يحدث له مؤلم للغاية، وأتساءل كصحفية كيف سيمكن الاستمرار بهذا البلد إذا ما مات زميلي في السجن، لا لسبب سوى أنه طالب بمحاكمة عادلة”.

مؤشرات كثيرة على أنها لعبة مدبَّرة

التهمة التي يواجهها الريسوني ثقيلة: شاب مغربي من مثليي الجنس يتهمه بالاعتداء الجنسي عليه. المدافعون عن حقوق الإنسان يشككون في هذه المزاعم ويقولون إنه مسيس، ولا يطالبون بإفراج غير مشروط عن الريسوني لكنهم يطالبون بأن يتمتع الجميع، كما هو معمول به في أي دولة حق وقانون، بمحاكمة عادلة ونزيهة.

لا شيء من هذا يلوح في الأفق: الصحفي سليمان الريسوني معتقل منذ سنة، ولم يصدر في حقه أي حكم. كل طلبات السراح المؤقت تم رفضها. المناضلة المدافعة عن حقوق الإنسان خديجة الرياضي تقول في اتصال هاتفي مع الجريدة: “إنها محاكمة غير نزيهة، لست مخولة للحكم فى ما وقع، ولكن الكثير من المؤشرات تدل على أنها قضية مفبركة، هناك تناقضات كثيرة في صك الإتهام. ولكن كيفما كانت الوقائع فلا شيء يبرر عدم احترام حقوقه”.

الريسوني واحد من خمسة صحافيين منتقدين للنظام سيمثلون أمام المحاكم في يونيو المقبل. ليس الوحيد الذي وجهت له تهم تتعلق بجرائم جنسية، فالصحافي عمر الراضي هو أيضا سيقف في قفص الاتهام في يونيو بتهمة اغتصاب امرأة وتهديد أمن الدولة.

استغلال لحركة “مي تو”..

الراضي تم اعتقاله الصيف الماضي، شهرا بعد أن قالت المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان “أمنيستي أنترناسيونال” إن هاتفه تم التنصت عليه بشكل غير قانوني من طرف السلطات المغربية. منظمة العفو الدولية ترى أن هناك توجها لدى المغرب لاستعمال ادعاءَات الاعتداء الجنسي كتهم لإخراس الأصوات المزعجة. المنتقدون يتهمون النظام بالمغرب باستغلال حركة “مي تو” لأهدافه الخاصة.

أن تهتم العدالة المغربية على حين غرة بحقوق المرأة وحقوق مثليي الجنس، يبدو أمرا غريباً، فالمثلية الجنسية مازالت ممنوعة في المغرب. سنة 2019 تم اعتقال الصحفية هاجر الريسوني ابنة أخ سليمان الريسوني بتهمتي إقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج والإجهاض، وأجبرتها السلطات المغربية على إجراء فحص طبي للتأكد من حدوث الإجهاض، وأسابيع بعد ذلك قام ملك المغرب بإصدار عفو في حقها.

جريدة “أخبار اليوم” التي كان يعمل فيها سليمان وهاجر الريسوني توقفت عن الصدور منذ شهر مارس الماضي بسبب مشاكل مالية، وبسبب الضغط الذي تتعرض له من طرف الدولة. وكانت بذلك آخر جريدة ورقية مستقلة في المغرب ذات نبرة انتقادية تجاه السلطة. الصحافية سعيدة الكامل التي تدافع الآن عن سراح الريسوني كانت هي الأخرى تكتب في هذه الجريدة، وبهذا الصدد تقول : “لم تكن جريدة معارضة ولكنها جريدة تتقن الصحافة المهنية والوقائعية”.
ضيق هامش الحرية..

تحكي سعيدة الكامل كيف بدأت إرهاصات إغلاق الجريدة، وتقول إنها كانت عرضة لحملة تشهيرية طالت العاملين في الجريدة عقب اعتقال السيد سليمان وهاجر الريسوني، وهو ما وضع طاقم الجريدة تحت الضغط، كما عانت مالياً لأن الكثيرين لا يتجرأون على منحها فرص نشر الإشهار لفائدتهم بالجريدة، وبهذا الصدد تقول الكامل: “إذا كانت هناك جريدة لها علاقة متوترة مع الدولة فإن المستشهرين يضعون معها مسافة”. لقد استفادت “أخبار اليوم” من الدعم الذي قدمته الدولة في ظل الوباء، على غرار كل الصحف المغربية، لكنه توقف فجأة عن “أخبار اليوم” وبدون مبرر، ليجد طاقم الجريدة نفسه مجبراً على العمل بدون رواتب ولمدة أشهر”.

سعيدة الكامل المعروفة بكتابتها الجريئة باتت اليوم بدون عمل وتجد الآن صعوبة كبيرة في الكتابة في المغرب، وفي هذا السياق تقول:” ثمة ناشرين يرون أنهم قد يغامرون إذا أوكلوا لي عملا ما”، تقول الصحافية وهي تتحدث عن الجرائد الأخرى. ثم تضيف أن “المنابر الإلكترونية القليلة التي تمارس صحافة مستقلة تعاني من أزمة مالية هي الأخرى”، لكن سعيدة الكامل لازالت تحتفظ بالأمل لمواصلة مهنتها.

منذ مدة والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان تلاحظ ازديادا لافتا في قمع الأصوات المزعجة في المغرب. إنها انتكاسة كبيرة تحدث بعد انفتاح نسبي شهدته البلاد قبل عشر سنوات أيام الربيع العربي الذي وصل إلى إليها، وكان قد وجد حينئذ معارضون أنفسهم فجأة مدعويين إلى الظهور في التلفزيون العمومي.

تقول سعيدة الكامل: ” أشعر في الحوارات التي أجريها أنه لا أحد بات يجرؤ على الكلام.. أحيانا يسألني البعض عن باعث بقائي في المغرب، ويرون أن شخصا مثلي لم يعتقل بعد عليه أن يغادر البلاد.”

مونيكا بليغر

ترجمة سعيد السالمي

المقال الأصلي

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: