أخبارأخبار الرئيسيةسياسة

“Hasta El Final – حتى النهاية، حتى أستطيع العيش بحرية في الريف” يقول جمال مونا لجريدة الشعب الهولندية

ترجمة للمقال/الحوار الذي أجراه الصحفي الهولاندي Dion Mebius مع الناشط واللاجئ السياسي الريفي جمال مونا لفائدة الجريدة الهولندية الذائعة الصيت “جريدة الشعب De Volkskrant“.

بسبب غياب القانون وشيوع منطق الفوضى، سيطحن تاجر الأسماك الذي كان الشرارة الأولى في اندلاع لهيب الحراك منذ خمس سنوات مضت في الريف. من أجل إخماد هذا الحراك/ اللهيب، تدخل النظام المغربي بشكل عنيف وتم إصدار الأحكام على النشطاء وصلت إلى عشرين سنة سجنا نافذة. فيما تمكن بعض النشطاء الآخرون، مثل جمال مونا، من الهروب نحو أوروبا على متن  قوارب الموت.

مضت أربعون دقيقة على الحوار ليقوم بعدها جمال مونا بإخراج حزمة حمراء من جيب معطفه، ويقوم بالكشف عنها بعناية وتروي: إنها راية حمراء بألماس أبيض، داخل الألماس هلال ونجمة خضراء. تلكم كانت راية الريف، عبق تاريخها يمتد نحو قرن من الزمن. خلال تلك الحقبة، لم يكن للمغرب أي وجود / سلطة على الأرض الريفية. في تلك الحقبة أسس الريفيون كيانهم السياسي المستقل “جمهورية الريف” التي لم تدم طويلا.

هذه القطعة من القماش الرقيق تعكس لجمال المعاني الآتية: إنها تعني الكرامة، تعني الحرية، تعني المنشأ وتعني الوطن. بالنسبة لجمال فإن هذه الراية تعبر أيضا عن سيادة الشعب. بسبب هذه الراية اعتقل جمال ليكون مصيره السجن. بسبب هذه الراية كاد جمال ان يلقى حتفه في مياه البحر الأبيض المتوسط حينما هرب من الشرطة السياسية المغربية. في طول عمر جمال مونا، ذو الواحدة والأربعون ربيعا، يجد نفسه ولأول مرة في شقة صغيرة بمدينة برشلونة بعيدا عن أرضه المحبوبة، بعيدا عن عائلته وأهله.

بسبب شغفه وعشقه لتلك الراية، كاد جمال ان يفقد كل شيء، لكن الشيء الأسمى الذي لم يتخلى عنه جمال هو حلمه المعشوق: ان يصبح الريف أرضا حرة.

يقول جمال: من أجل ريفٍ حر اندلع لهيب الحراك في منطقة جبلية في الشمال الغربي لأفريقيا. عشرات الآلاف من الريفيين- ذوي الخصوصية الثقافية واللغوية التي تختلف عن اللسان العربي- خرجوا إلى الشارع قصد الاحتجاج في تحدي واضح للنظام المغربي عندما تم طحن الشهيد محسن فكري في شاحنة للنفايات يوم 28 أكتوبر 2016.

القبضة الخانقة

الفتيل الذي يتواجد داخل برميل البارود، لم يكن مشحونا بالغضب وعدم القبول بقمع الخصوصية الثقافية للشعب الريفي فحسب، بل أيضا بغياب الاستثمارات وانعدام فرص الشغل في الريف. النظام المغربي، على رأسه الملك محمد السادس، إستقدم القوات القمعية من مناطق خارج الريف وتم التدخل بشكل عنيف لكسر شوكة الحراك وإخماد لهيبه. العشرات من النشطاء الريفيين تم الحكم عليهم بسنوات من السجن.

إن القبضة الخانقة التي نهجها النظام المغربي، مكنته من كسر شوكة الحراك، لكن مشاعر الغضب وعدم الركون إلى أمر الواقع ظل ثابتا وواضحا عند الريفيين. من تداعيات هذه القبضة الخانقة أيضا سيتعرض الحراك الشعبي الريفي لنوع من التخلخل والتفكك، خاصة حينما يتعرض القائد الميداني للحراك، ناصر الزفزافي للاختطاف و الحكم عليه لاحقا بعشرون سنة سجنا نافذة.

هذه القبضة الأمنية الخانقة كانت في صالح النظام المغربي، لأن ناصر الزفزافي لم يعانق حريته بعد، عكس العشرات من النشطاء الريفيين الذين أنهوا عقوبتهم السجنية أو تم إصدار عفو ملكي في حقهم. لكن النشطاء الآخرين الذين لم يطلهم الإعتقال، ضلوا مستهدفين من طرف النظام المغربي حيث لا خيار آخر امامهم إلا الهروب نحو أوروبا.

قليل من هؤلاء النشطاء تمكن من الحصول على اللجوء السياسي بهولندا، فيما تشير الاحصائيات أن 70% من المغاربة الهولنديين ذو أصول ريفية. ويختار أغلبية اللاجئين الهاربين التراب الإسباني نظرا للقرب الجغرافي لتقديم طلباتهم للحصول على الحماية الدولية.

منذ شهر يناير لهذه السنة 2021، حصل فقط 12 ناشطا ريفيا على الإقامة المؤقتة في إسبانيا رغم المغامرات الخطيرة التي يقطعها الريفيون للهروب الى أوروبا عبر زوارق الموت. وجمال مونا كان واحدا من هؤلاء.

منذ ان تم منحه تصريح الإقامة، إستأجر جمال مونا غرفة في مدينة Vendrell ، وهي بلدة ساحلية في كاتالونيا. فيما نتواجد الان في إحدى ضواحي برشلونة في ضيافة الناشط الريفي م.الخطابي.

سجن عكاشة / الدارالبيضاء

رغم الشهور القاسية التي قضاها جمال في غياهب هذا السجن، إلا أن عيونه ظلت تشيع نورا. الأجوبة التي كان يقدمها جمال كانت تتخللها من حين لآخر مفردات باللغة الإسبانية بحكم ان منطقة الريف كانت مستعمرة إسبانية.

من اين سيكون المنطلق؟، طبعا، من حياته الشخصية وبعدها الحديث عن المظاهرات.

جمال مونا، العازب، كان يشتغل كنادل في المقهى بمدينة الحسيمة، العاصمة اللارسمية للريف. مشقة العمل تقابلها أجرة هزيلة مما يعني البحث عن عمل آخر حيث الفرص جد ضئيلة ويجب أن تكون محظوظا للحصول على عمل آخر. هذا الواقع ينطبق على معظم الريفيين حيث البطالة تسجل أرقاما قياسية. أما قطاع الصحة والتعليم فهي في أدنى مستوياتها.

قبل إندلاع الحراك الشعبي الريفي، كان جمال يقوم بتنظيم لقاءات تأطيرية لساكنة الحسيمة بغية التعبير عن آراءهم التي غالبا ما كانت تنتقد الوضع العام انذاك.

وحينما إندلعت شرارة الحراك الشعبي بالريف، وجد جمال نفسه في الجبهة الأمامية. خلال اللقاءات / التجمعات كان جمال يحث على النضال. إن الدور الذي لعبه جمال خلال الحراك كان محفوفا بالمخاطر مما سيؤدي إلى إعتقاله، كما تم إعتقال المئات من النشطاء الآخرين.

يوم 8 يونيو 2017، أصدرت المحكمة في حقه الحكم بسنتين سجنا نافذة. بعد هذا الحكم سيتم ترحيل جمال مونا إلى الدار البيضاء / سجن عكاشة حيث يتواجد قائد الحراك الشعبي الريفي، ناصر الزفزافي، الذي كان جمال دائما بجانبه في كل نشاطاته وتحركاته أثناء الحراك.

15 يوما من الإضراب عن الطعام

المطالبة بتحسين جودة الأكل، غياب العناية الطبية والسماح بالزيارة لعائلات المعتقلين، كانت من بين الأسباب التي تدفع المعتقلين لخوض إضرابات طعامية قصد فرض بعض الحقوق داخل السجن.

أثناء هذا الحوار، أكد جمال على انه لم يتعرض للتعذيب الجسدي، عكس ناصر الزفزافي الذي تعرض للتعذيب كما جاء في التسجيل المسرب من داخل السجن. ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف أدلى من خلال ذلك التسجيل بشهادة مفادها: ” لقد قاموا بإدخال “أشياء” في المناطق الحساسة من جسدي” .

بعد سنتين من السجن، عانق جمال الحرية، تحديدا في شهر يونيو 2019. جمال لم يتراجع إلى الوراء، بل إستمر في نضالاته لأن رفاقه لا زالوا وراء القضبان. جمال شارك في شكل نضالي نظم ببلدة تماسينت، قرية تنتمي إلى إقليم الحسيمة. هناك كان جمال حاضرا وراية الجمهورية الريفية كانت ترفرف بين يديه لأنه يعشقها. لم تمض إلا أياما معدودة على مشاركة جمال في الشكل النضالي، ليتم إعتقاله للمرة الثانية، لكن هذه المرة من داخل بيته الذي يسكن فيه. دموع والدته – حبيبة- التي سالت على وجنتيها، كانت بالنسبة لحبيبة السلاح الوحيد للدفاع عن فلذة كبدها.

تسرب المياه إلى الزورق

جمال مونا يتعرض من طرف النظام المغربي للإدانة من جديد، لمشاركته في المظاهرات ورفع علم جمهورية الريف، أمر يقض مضجع السلطات المغربية. النظام المغربي يتوجس كثيرا من حمل هذه الراية، لأنه تذكره بالمرحلة التاريخية التي تم فيها تأسيس الجمهورية الريفية التي كانت تمثل – في نظر النظام المغربي- تهديدا حقيقيا “للوحدة الترابية”.

إستنادا إلى الفوضى التي عرفتها بعض البلدان المجاورة للمغرب أثناء إندلاع ما سمي بالربيع العربي، قام الملك محمد السادس بإعطاء الوعود للشعب من أجل الحفاظ على حكمه. وكذلك تبخرت الوعود الأخرى التي أعطاها للشعب منذ اعتلائه للعرش في سنة 1999 وذهبت أدراج الرياح.

لقد عمد النظام المغربي إلى خنق الصحافة، والبرلمان المغربي لم تعد إليه أية سلطة من أجل إتخاذ القرارات. بجملة واحدة: ليس هناك ديمقراطية في المغرب.

أثناء إنتظار جمال للدعوة القضائية وهو في السراح المؤقت، كانت يتعرض لتهديدات مختلفة من النظام المغربي. فحوى هذه التهديدات هي: إما التخلي عن انشطته ونضالاته من أجل الحراك، إما سينتظره مصيرا مجهولا. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم إغراؤه بالمال قصد فتح مشروع خاص به.

حسب جمال فإن هدف هذه الإغراءات هو اسكات صوته الحر. في شهر أكتوبر من سنة 2020 تم الحكم على جمال بثمانية أشهر سجنا نافذا. بالنسبة لجمال مونا فإن المعادلة كانت واضحة: من أجل الإستمرار في الدفاع عن الريف وقضاياه فلا خيار أمامه إلا مغادرة الريف كرها.

في شهر يناير من هذه السنة، غادر جمال الريف رفقة خمسة رفاق حيث الوجهة كانت نحو الساحل الإسباني. يروي جمال جزءا يسيرا من المحنة والمعانات أثناء العبور إلى الأراضي الإسبانية على متن زورق صغير: مشاكل تقنية في محرك الزورق، تسرب المياه إلى الداخل وإفراغ باطن الزورق من الماء. هذه المعاناة وثقها جمال مونا بفيديو قصير وهو ورفاقه في أعالي البحر الأبيض المتوسط.

يحكي جمال بأنه ورفاقه سادهم شعور على أن “رحلتهم” ستنتهي بهم في قاع البحر وسيغرق معهم الحلم المنشود. لكن فكرة العودة إلى الوراء لم تكن في الحسبان ابدا، يقول جمال في حديثه. هل اسعدهم الحظ؟ باخرة إسبانية لصيد السمك في أعالي مياه ملاكا ستنقذهم من موت محقق. بعد 26 ساعة من المغامرة والمجازفة المحفوفة بكل المخاطر، وطأت أقدام اللاجئين الخمسة اليابسة الأوروبية، قارة الحرية والديموقراطية.

نحن بحاجة إلى قائد

لم يتطلب الوقت كثيرا لتتصدع الصورة المثالية التي كانت في مخيلة وذهنية جمال، لأن الظروف التي عايشها داخل مركز اللاجئين في مدينة مورسيا كان وقعها أشد قساوة من ظروف السجن في الدارالبيضاء. الجانب الآخر من القساوة تجلى في الخبر الذي تلقاه ونزل عليه كالصاعقة وهو أنه سيطرد رغم أنه لم يدلي بشهادته بعد. جمال مونا، اللاجئ السياسي لم يتمكن من تصديق الخبر. أليس ضد الظلم إختار المنفى؟؟

المغاربة الذين يدخلون الأراضي الإسبانية كمهجًرين يتم طردهم قانونيا بالرغم من حدوث بعض القلاقل أثناء عملية الطرد. إن السلطات المغربية تبذل كل ما في وسعها من أجل عدم إستخدام “رعاياها” كسلاح سياسي ضدها. الصورة ماثلة أمام الجميع حينما إجتاح عشرات الآلاف من المهجّرين الريفيين والمغاربة مدينتي سبتة ومليلية في شهر مايو من هذه السنة.

بالنسبة للاجئين، فإنهم يخضعون لقوانين أخرى مغايرة عن تلك التي تخص المهجّرين. فاللاجئون لا يمكن طردهم بطريقة مباشرة.

في سنة 2018 ستعترف إسبانيا بأول لاجئ ريفي. فبالنسبة لجمال فإنه سيحصل على الإقامة المؤقتة بمساعدة المحامي الذي حرره من الكابوس والمصير المجهول طيلة خمسة أيام من الحجز.

ما العمل الآن؟ جمال مونا قرر عن غير رجعة الإستمرار في نضالاته للدفاع على القضية الريفية من كاتالونيا رغم الإمكانيات المحدودة. إستعجاليا، يجب الآن الإستمرار في المظاهرات والوقفات وفتح نافذة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعريف بالقضية الريفية.

جمال قال في حديثه بأن الغضب في الريف يكبر يوما بعد يوم، لأن الوضع في الخمس سنوات الأخيرة مقلق ويزداد سوء. يقول جمال:” إن هروبي من الريف لشهادة حق على ان الوضع جد متوتر. وأننا بحق في حاجة إلى زعيم/ قائد ليجمعنا ويوحدنا.

“Hasta el final”  بهذه الكلمات انهى جمال مونا حديثه. إنها كلمات باللغة الإسبانية، لغة بلده الجديد، ثم اضاف قائلا: “حتى النهاية، حتى يستطيع العيش بحرية في الريف”.

الترجمة : الناشط الريفي المرابط محمد

بتصرف.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: