أخبارأخبار الرئيسيةسياسةمجتمع

بعد خمس سنوات من حراك الريف: أين التغيير؟

لم تتمكن الاحتجاجات التي اندلعت في الريف الوطن منذ خمس سنوات من إحداث تغيير يذكر على الصعيد الاقتصادي الذي ما زال يعاني من الجمود، أما الحياة السياسية في المنطقة فقد بعث فيها الحراك روحاً جديدة.

في 28  أكتوبر 2016، لقي الموت المفجع لبائع السمك الريفي محسن فكري سحقاً بشاحنة لجمع النفايات في مدينة الحسيمة الريفية بعد مشادة مع عناصر الشرطة التي حاولت اعتراض طريقه رد  فعل غاضب من الأهالي. وأثار الحادث المؤلم مشاعر الريفيين الذين احتشدوا بالمئات في مظاهرات سلمية سميت بالحراك للتعبير عن غضبهم وللمطالبة بتحسين أحوالهم المعيشية من تعليم وصحة وفرص عمل وعدالة ومحاربة للفساد. ولكن مطالبهم قوبلت بالقمع وأسفرت عن اعتقال مئات المتظاهرين السلميين بينما حُكِم على قادة الحراك بالسجن لمدة 20 عاماً.

سكان الريف: الحراك حقق لنا التضامن دون تحقيق المطالب

لم تتمكن الاحتجاجات التي اندلعت في الريف المغربي منذ خمس سنوات من إحداث تغيير يذكر على الصعيد الاقتصادي الذي ما زال يعاني من الجمود، أما الحياة السياسية في المنطقة فقد بعث فيها الحراك روحاً جديدة.

إلين ديباكير

اليوم، وبعد مرور خمسة أعوام على احتجاجات الحراك الشعبي الريفي، التي تفككت وانهارت بعد اعتقال مئات النشطاء الريفيين وتهجير البقية، لا تزال مشاعر السخط كامنة بين سكان الريف الذين لم تلقَ مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية سميعاً أو مجيباَ.  يقول ز.ر (35 عاماً) وهو أحد مواطني الحسيمة الريفية الذين شاركوا في الحراك وتعرض للاعتقال لمدة سنة وتسعة أشهر وأربعة أيام، وكان قبل اعتقاله يعمل في متجر أما اليوم فهو عاطل عن العمل،  يقول:” بعد مرور كل هذه الأعوام لا يوجد أي تحسن في أحوالنا. الدولة تقول إنها تفعل ما بوسعها، ولكن طالما ظلت المشافي تعاني من نقص الأطقم الطبية فلن تكون إلا مبانٍ خرسانية. كل ما حققه لنا الحراك هو التضامن المتبادل، فلأول مرة يشعر سكان الريف ومهجري الشتات بالوحدة التي تجمعهم”.

ويقول أ.ه (40 عاماً) وهو أيضاً مواطن من الحسيمة الريفية تعرض للحبس لما يزيد عن عامٍ بعد مشاركته في عدة مسيرات احتجاجية، إن الأوضاع لم تتحسن حتى اليوم.” لا نرى أي فرق. على الصعيد الاقتصادي لا يوجد تقدم ولا يزال العديد من النشطاء محبوسين حتى اليوم. من الصعب جداَ التطلع إلى مستقبل مشرق”.

الموجة الثانية من الاستقلال

يرى مراقبون  أن احتجاجات الحراك الريفي كانت الجمر الكامن تحت رماد انتفاضة الربيع المغاربي، ولكنها في الحقيقة تأتي لأسباب بدأت منذ عقود عدة، واستمدت استمراريتها من شعور الريافة المستمر بالتهميش، وتعرضهم للتمييز السلبي سياسياً واقتصادياً وثقافياً. والحقيقة أن ثورات الربيع المغاربي في 2011 وانتفاضات الحراك الريفي كلاهما ترتكزان على ديناميكية سادت وستسود لأعوام عديدة إن لم تعترضها تغييرات سياسية واقتصادية جوهرية.

ويقول البروفيسور كوين بوجارت، الأستاذ في مجموعة أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة غنت البلجيكية إنه “على الرغم من أن الحراك لم يتمكن من إحداث تغيير يذكر على أرض الواقع إلا أنه سلط الضوء على الأزمة الريفية-المغربية. ومن هذا المنطلق يمكننا أن القول إن الحركة ساهمت في بناء وعي سياسي وثقافة احتجاجية تتنامى في الريف والمغرب. وهذا سيزيد صعوبة تجاهل المشاكل هناك حيث تشعر النخبة السياسية حالياً بالخوف مما يختبئ تحت قشور الهدوء السياسي الواهية”.

سارعت الحكومة المغربية في محاولة منها لتهدئة الأوضاع في أعقاب هذه الاحتجاجات، للإعلان عن أنها قد استثمرت في هذه المنطقة ما يزيد عن 1.2 مليار يورو منذ عام 2017، وأن هذه الأموال قد وُجِّهَت للخدمات الصحية والتعليم وبناء الطرق وقد أدّت بالتالي، حسب الحكومة، إلى تطور غير مسبوق.

ولكن الباحثة ثريا الكحلاوي من جامعة غنت، ترى أن الحكومة المغربية ربما تكون قد نجحت في الاستفادة من العديد من الحلول التقنية التي تساعدها على معالجة مشاكل التنمية مثل بناء المشافي وغيرها، ولكنها فشلت في إرساء آلية تحفظ لها السلام مع مناطق ومدن الريف.

تقول ثريا الكحلاوي إن “الدليل على ذلك هو أن قادة الحراك مازالوا قابعين في السجون، وبالتأكيد لا يمكن توقع نجاح أي آلية للمصالحة بدون الإفراج عن هؤلاء المعتقلين السياسيين الريفيين. أيضاً لم تتمكن الدولة المغربية من تقديم حلول للمشاكل الأكثر تعقيداً مثل مشكلة إعادة توزيع الأراضي السلالية الجماعية”.

ومع ذلك تشير الكحلاوي إلى أن الحراك الريفي قد حقق العديد من النتائج الإيجابية: ” هذه هي المرة الأولى التي تتمكن بها حركة اجتماعية من تسييس المطالب الاجتماعية والاقتصادية وجذب الانتباه المحلي والدولي متجاوزة الطبقة المتوسطة النخبوية.” ولذلك اعتبرتها الكحلاوي بأنها الموجة الثانية في حركات الاستقلال المغربية.

إلين ديباكير باحثة وصحفية مستقلة تحمل شهادة الدكتوراة في التاريخ.

الناشط الريفي جمال منى: السلطة لاتريدنا أن نطالب بحقوقنا، بل أن نطيعها

جمال منى (الثاني من اليسار) بعد مظاهرة في قرية تماسينت الريفية في 21 يوليوز 2019. رفقاؤه الثلاثة المجاورون تم تهجيرهم أيضا من الريف. © ياسين أكوح

ياسين أكوح

وضع محتجو الحسيمة الريفية، ومن بينهم الشاب الكاريزمي العاطل عن العمل: ناصر الزفزافي، الذي أصبح فيما بعد الوجه البارز للاحتجاجات، مجموعة من المطالب لتنمية منطقتهم المهمشة، إضافة الى مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية. استمر احتجاج سكان الريف لأكثر من سبعة أشهر. في مايو 2017، قررت الدولة اعتقال النواة الصلبة من قادة الحراك ومنهم الزفزافي. تلا ذلك سلسلة من الاعتقالات لمئات من النشطاء. وفيما حكم على بعضهم بالسجن لمدة عشرين عاما سجنا نافذا، فر آخرون خارج البلاد. 

فيما يلي مقابلة الناشط الريفي جمال منى، رفيق ناصر الزفزافي وذراعه الأيمن بالميدان والسجن. المعتقل الريفي السياسي السابق جمال منى، متأملا في سنوات الحراك من منفاه في إسبانيا، بعد فراره من الريف بسبب متابعته في قضية جديدة، وتعرض عائلته للمضايقة. متحدثا عن ما مضى وآملا في مستقبلٍ أكثر عدالة:

كيف تنظر إلى السنوات الخمس الماضية؟

السنوات الخمس الماضية، كانت فترة سوداء بالنسبة لنا. لقد رأيت كيف حدثت الاعتقالات في الشوارع والتي لن ينساها الناس أبدا، لقد أعادتنا إلى سنوات الظلام من التاريخ. لا يمكننا الاحتجاج اليوم، والدولة بسياساتها أعدمت اقتصادنا، وقد كنا اعتدنا العيش بشكل أفضل، وكنا نريد أن نتقدم ونساعد بلادنا. لكن مسؤولي هذه الدولة يعقوننا.

عندما تولى محمد السادس العرش، قيل إنه سيكون أفضل من أبيه الملك الحسن الثاني. لكنه في الواقع اتَّبع نفس خطا والده. ورأينا ذلك من خلال سياساته الممنهجة، في عهده سقط العديد من النشطاء، كما تمت إدانة العديد من الفاعلين بأحكام ثقيلة. بشكل مختصر لا توجد حرية.

هل سبق وأن فكرت، في الأيام الأولى للحراك، بأن الدولة سترد بقسوة على الاحتجاجات؟

كانت لدي بعض الشكوك كون سياسات الملوك السابقين، حاكمي المغرب، لم تتغير، والملك الحالي في حكمه ينحاز الى التفرد في تدبير السلطة، وبما أنه أهم شخص والمسؤول الأول في البلاد،  قدمنا مطالبنا له مباشرة، لكنه لم يتحمل مسؤوليته.

و حاول إرسال الأحزاب السياسية نيابة عنه، لكن موقفنا منها كان واضحا. كنا لا نثق في هذه الأحزاب ولم نكن نريد التواصل معها. وقد صدقت توقعاتنا إزاء رد فعل الدولة، في نهاية المطاف الدولة لا تريدنا أن نطالب بحقوقنا، بل أن نطيعها.

لماذا قررت الهجرة إلى أوروبا؟

قرار الهجرة جاء في الوقت الذي قضيت فيه سنتين في سجن عكاشة في الدار البيضاء المغربية. وعندما تم إطلاق سراحي، كان الوضع كئيبا وكان الريف عيش تحت حصار وكنا مضطهدين، وهذا ما لم أستطع تحمله والبقاء صامتا. لم أستطيع الاستمرار في العيش في الريف، وكنت أفضل الموت في قارب وسط البحر عوض البقاء هناك. فأولئك الذين في السلطة أسوأ حتى من مستعمرينا السابقين. لقد رأيت الموت حقا عندما عبرت المتوسط إلى أوروبا. في بلدنا، لديك خياران: الصمت أو السجن.

هل لديك أملٌ في أن يتم الإفراج مبكرا عن الزفزافي والناشطين الريفيين الآخرين؟ هل تعتقد أنه يمكن للحكومة الجديدة ان تقوم بذلك؟

الدولة تريد إطلاق سراحهم، ولكن تود ذلك بطريقتها. كما أن المعتقلين الريفيين يرفضون التخلي عن قضيتهم. الحكومة الجديدة تقول إنها تريد إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، لكننا نعلم أنه لن يأتي أي جديد من هؤلاء. بالطبع هناك فرصة لإطلاق سراح المعتقلين، ولكن يمكن ذلك فقط في ظل ظروف معينة. لا يمكننا أن نثق بالدولة. لأنهم يريدون وينتظرون من قادة الحراك الشعبي الريفي التوقيع على وثيقة يعترفون فيها ضمنيا بالتهم الموجهة ضدهم، بوصفهم يريدون إقامة دولتهم الخاصة، وتسببوا في زعزعة استقرار المملكة المغربية، على سبيل المثال. وإذا اضطر مستقبلا هؤلاء النشطاء إلى الاحتجاج مستقبلا، يمكن للدولة طرح هذه الوثيقة وتقديمها إلى الشعب وإثبات أنهم مذنبون. كما يمكنهم تسويقها للاستخدام الخارجي في دول أخرى: باعتبار أن نشطاء الحراك الشعبي مجرمون باعترافهم.

ياسين أكوح صحفي بلجيكي-ريفي

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: