أخبارأخبار الرئيسيةسياسة

غاندي الريفي محمد جلول يكتب ” الإنسان أولاً “

إن الاستياء العام والمتنامي الذي يتملك ابناء شعبنا بالريف وخيار الهجرة واللجوء إلى الضفة الأخرى الذي بات يسيطر على تفكير شبابنا لهو خير معبر على الواقع المر الذي تعيشه المنطقة.

انه ليس مجرد شعور نابع من المعاناة جراء سوء الأوضاع الإجتماعية التي يعيشها أبناء شعبنا في ظل العزلة واستفحال البطالة وغلاء المعيشة، وفي ظل الخصاص الى البنى التحتية والمرافق الاجتماعية وتردي خدماتها خاصة التعليم والصحة العمومية…إنه أكثر من ذلك ،استياء نابع من الإحساس بالظلم و الإقصاء والحكرة، نظرا الى أن الأوضاع والمعاناة التي يعيشها ليس مسألة محدودية الإمكانيات و موارد المنطقة المالية والطبيعية، وإنما هي نتيجة لسياسات غير عادلة ونظرا الى انه بدلا من أن تستجيب الدولة للمطالب العادلة والمشروعة لأهل الريف قابلتهم بالقمع والاعتقالات و عسكرة المنطقة رغم اعترافها ضمنيا بمشروعية هذه المطالب بعد إقرارها بوقوع اختلالات وسوء التسيير و التدبير ،وبعد اعلانها فشل نموذجها التنموي بالمنطقة و على المستوى الوطني.

إن الريفيين وبعد عقود من المعاناة تحت وطأة أوضاع اجتماعية قاسية جراء الاقصاء و التهميش الاجتماعي و الاقتصادي، وبعد عقود من معاناة الحكرة جراء اقصاء ثقافتهم وتاريخهم وتهميشهما، وبعد كل ما تعرضوا له من انتهاكات جسيمة ومن اضطهاد، سيجدون اليوم أنفسهم يجترون نفس المآسي والاحزان ،في ظل واقع العسكرة و الحصار و الاعتقالات التي طالت المنطقة ومازالت تمعن فيها الدولة من خلال مواصلة تضييق الخناق وإنزال الأحكام الثقيلة.

إن الدولة مهما أطلقت من وعود تنموية فإنها لن ترضي أبناء الريف ولن تخفف من استيائهم ازاءها في ظل استمرار هذا الوضع ،فما الجدوى اصلا من أية تنمية اذا لم يكن المواطن أساسها وهدفها ؟وما الجدوى من أية تنمية اذا لم تراع احترام الإنسان و ثقافته وحرياته الأساسية، وما الجدوى أصلا من تنمية منطقة يهجر أبناءها ويزج بالباقي في السجون؟وما يقال عن الريف ينطبق على باقي جهات الوطن المراكشي .

ان فشل النموذج التنموي الذي أعلنت عنه الدولة راجع الى المقاربة المركزية في صياغة وتنفيذ البرامج والمشاريع التنموية في ظل استئثار المركز بالقرار و في ظل تغييب ارادة اهالي المناطق والجهات الوطنية وواجباتهم واولوياتهم وخصوصياتهم الثقافية،ولذلك فإنه لا يمكن الحديث عن نموذج تنموي جديد في ظل استمرار نفس الشروط ،لأنه في ظل نفس الشروط ،وفي ظل نفس واقع الإقصاء لا يمكن سوى إنتاج نموذج تنموي فاشل آخر ،ولن يؤدي ذلك سوى الى تعميق الأزمة .وجر البلاد إلى المصير المجهول.لانه بكل بساطة الهدف الحقيقي او الغاية الأسمى للتنمية ليس هو إنشاء مجموعة من الكتل الاسمنتية وليس حتى مراكمة الثروة ،وذلك انما هي تمكين الإنسان من تحقيق ذاته ووجوده ،وذلك عندما يحس أن له انتماء ووجود ثقافي،وعندما يحس انه حر في تقرير مصيره،وله دور في صناعة مستقبل وطنه،وفي بناء الحضارة الإنسانية ، وليس مجرد كائن بيولوجي.

مقال للمعتقل السياسي الريفي حمد جلول البطيوي من السجن المركزي عين السبع (عكاشة) يوم 11-12-2018

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: