أخبارأخبار الرئيسيةتاريخ

شهادات حول اغتيال الشهيدين الريفيين سعيد و فريد

شهدت ثانوية امزورن الريفية أحداثا خطيرة ابتداء من سنة 1983، ارتبطت بالهجمة الشرسة لقوات الشرطة السياسية المغربية على الثانوية من أجل إخماد لهب النضالات المتصاعدة للتلاميذ بسبب الأوضاع المزرية التي كانت تعيشها المؤسسة ، و المتمثلة في غياب التجهيزات الأساسية فضلا عن التسيير السلطوي القمعي للإدارة و الذي كان يشيع جوا من الرعب و الإرهاب الدائم المعيق للعملية التربوية و التعليمية .

مع بداية سنة 1984 ، تصاعدت نضالات التلاميذ بثانوية امزورن وكذا بباقي الثانويات بالحسيمة كالبادسي و المعهد الديني… وكانت مطالبنا بسيطة كتحسين أوضاع التلاميذ الداخليين و تجهيز المكتبة و المختبر العلمي ، فضلا عن تحسين ظروف التمدرس من خلال رفع كل أشكال القمع و التسلط التي تمارسها الإدارة على التلاميذ .

لقد تزامن ذلك مع التصعيد النضالي للحركات الاحتجاجية على المستوى الوطني الريفي، نتيجة تدهور الظروف المعيشية لغالبية الجماهير الشعبية وارتفاع نسبة البطالة كنتيجة مباشرة لسياسة التقويم الهيكلي. و في هذه الأثناء قرر النظام المغربي الرفع من أسعار بعض المواد الأساسية ، مما أجج مشاعر الغضب الشعبي على الدولة ترجم على شكل مسيرات و مظاهرات في كل من الناظور و الحسيمة و تطوان … ولم تكن ثانوية امزورن بمنأى عن هذه التطورات و الأحداث ، بل انخرط التلاميذ بدورهم في هذه الحركة النضالية من خلال تنظيم مظاهرات داخل الثانوية و خارجها، حيث تحولت يوم السبت 13 يناير إلى انتفاضة شعبية خرجت عن سيطرة التلاميذ نظرا لحجمها و تعدد الفئات الشعبية المشاركة فيها، فضلا عن التدخل القمعي الدموي للقوات العسكرية الذي أجج الوضع أكثر.وكان من نتائج الانتفاضة على مستوى ثانوية امزورن تحديدا ، اعتقال بعض التلاميذ منهم بولعيون علي الذي صدر في حقه حكما بالسجن النافذ لمدة سنتين، أشهبار أمحمد والحنودي مكي اللذان تم اطلاق سراحهما بع أن نالا حضا وافرا من الجلد و التعذيب في الكوميسارية الإقليمية بالحسيمة الريفية.

وفي أعقاب الانتفاضة ، تصاعدت نضالات التلاميذ بثانوية امزورن من خلال تنظيم عدة مظاهرات و اعتصامات داخل المؤسسة مطالبين بالإفراج عن المعتقلين. إلا أن الإدارة و السلطات المغربية كثفت من أساليب القمع و التنكيل بالتلاميذ من خلال فرض حصار عسكري دائم على المؤسسة و تنقيل بعض النشطاء تنقيلا تعسفيا من الثانوية فضلا عن إجبار آخرين على توقيع التزامات بعدم المشاركة في الأنشطة النضالية مع ما كان يرافقه من سب و ضرب داخل مقر القيادة بامزورن .

لقد بلغ مسلسل الطرد أوجه خلال الموسم الدراسي (1986-1987) ، حيث بلغ عدد التلاميذ المطرودين حوالي465. مما ساهم في تأجيج الأوضاع و تصعيد النضالات التلاميذية خلال هذا الموسم والمطالبة بارجاع المطرودين بدون قيد ولا شرط . لكن الإدارة رفضت حتى إجراء الحوار مع التلاميذ بل صعدت من أساليب التضييق و القمع ، الأمر الذي أدى إلى تأزيم الأوضاع بالثانوية و تصعيد الأشكال النضالية بهذه المؤسسة .أمام هذه الظروف لم يجد النائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية آنذاك بدا سوى إجراء حوار مع التلاميذ للنظر في محاور ونقاط مذكرتهم المطلبية . حيث وعد بحل بعض النقاط الواردة فيها . لكن مع مرور الوقت تبين أن تلك الوعود كانت مجرد مناورة لربح الوقت وتكسير شوكة الاحتجاجات التلاميذية . وهدا ما دفعنا إلى الدخول في معارك أخرى أكثر تصعيدا .

لكن إدارة المؤسسة ومعها السلطات المعنية لم يكن لها نية إيجاد حلول للمشاكل المطروحة ، بل دفعت في اتجاه تأزيم الأوضاع من خلال إطلاق العنان لآلة القمع و الترهيب لثني التلاميذ على مواصلة أشكالهم الاحتجاجية لدرجة قامت باعتقال آباء وأولياء بعض التلاميذ النشطين داخل الحركة لإجبارهم على تقديم فلذات أكبادهم إلى السلطة و بالتالي إلى السجن .

شهادة ناصر الحوزي حول اغتيال الشهيدين الريفيين سعيد و فريد:

الأربعاء 21 يناير 1987، الساعة تشير إلى التاسعة و خمسين دقيقة صباحا.. رنّ جرس الاستراحة فتجمع التلاميذ كالعادة في حلقيات نقاشية متفرقة خارج أسوار المؤسسة، و عندما انقضت الدقائق العشر، لم يلتحق التلاميذ بالأقسام، بل انخرطوا في مظاهرة جابت رحاب الثانوية، مرددين شعارات مطلبية مشروعة تهم أساسا أوضاع الثانوية المزرية، و منددين بسياسة التماطل و التجاهل الممنهجة من قِبل الإدارة تجاه الملف المطلبي.

بعد مرور فترة قصيرة من الاحتجاج، شرع المدير (التلكوتي) في استفزاز التلاميذ كما كان يفعل دائما مع الاحتجاجات، مهددا و متوعدا باستدعاء القوة إن لم يفرغوا الساحة، ثم أمهلهم مدة عشر دقائق لتنفيذ أمره. و لكن التلاميذ لم يأبهوا لتهديداته و واصلوا مسيرتهم و حناجرهم تصدح بالشعارات، متوجهين صوب ساحة الألعاب الرياضية (بالضبط ملعب كرة اليد)، ليتم فتح حلقية نقاش كبيرة يتخللها رفع الشعارات، في حين كان بعض النشطاء يرصدون آخر المستجدات خارج المؤسسة (كان سور الثانوية قصيرا، يمكّن من مشاهدة ما يجري في الخارج، عكس ما هوعليه حاليا).

ما زلت أتذكر صوت أحدهم و هو يهرع صوب الشكل النضالي قائلا: ”لا مفر من المواجهة أيها الرفاق” و كان هذا كافيا ليتيقن الكل من القدوم الفعلي لجحافل قوات القمع من أجل اقتحام حرمة المؤسسة.

و لما اختلف التلاميذ، بين عازم على المواجهة و متردد و مشكك فيها، اندلعت الفوضى و ساد الصراخ، ففضل البعض الفرار من ناحية السور الخلفي للثانوية المتواجد في جهة الداخلي، نظرا لقربه من مكان التجمع التلاميذي، أما نحن الصغار، فلم نستطع الفرار إلى أبعد من داخلية المؤسسة بسبب الخوف، و الرعب الذي اعترانا.. كنت مع صديقي (…)، الذي رافقني لنعتلي معا سطح البناية المخصصة للصلاة، و نراقب من هناك ما يجري من مواجهات عنيفة، خصوصا مع الذين لم يحالفهم الحظ في الهروب أبعد من بضع أمتار من الثانوية. لاحقا، فضلنا أنا و صديقي النزول و التحقنا بقاعة للمطالعة التي كانت غاصة بأمثالنا الصغار التائهين.. المرتجفين و الخائفين، و في خضم الفوضى التي كانت تسود جنبات القاعة، دخل المدير و شرع في السب و الركل و الرفس و الصرخ: ”هادشي للي بغيتو… ” ثم أمرنا بمغادرة المؤسسة من بابها الرئيسي.

أثناء ذلك استرعى انتباهنا، و نحن نمر بجانب مكاتب الحراسة العامة، مجموعة من أفراد القوات المساعدة و بجانبهم حارس عام معروف بقساوته، و يقال -والله أعلم- أنه هو من سلم الشهيد فريد أكروح إلى أيادي القمع، بينما كان يحاول الفرار.. هناك في نفس البهو لمحنا تلميذين ممددين أرضا و يتأوهان من شدة الألم، جراء التعذيب الجسدي و النفسي الذي تعرضا له.

و في المساء، بعد أن وصلنا إلى منازلنا، تناهى إلى مسامعنا خبر استشهاد البطل فريد أكروح (كان يتابع دراسته في السنة السابعة ثانوي حسب النظام القديم، و الذي كان أحد التلميذين الذين شاهدتهما ممدين أمام مكاتب الحراسة العامة، بمعية تلميذ آخر نجى بأعجوبة و تم إنقاذه في المستشفى الجهوي بالحسيمة). أما الشهيد الثاني فقد كان سعيد بودفت (السنة الثانية ثانوي) و الذي تعددت الروايات حول استشهاده، بين من يقول أنه حوصر في منزل لجأ إليه، و توقفت نبضات قلبه فجأة لكونه من ذوي الاحتياجات الخاصة، و بين من يؤكد أنه تعرض لضرب مبرح، ليسلم الروح في منزله متأثرا بالإصابات.

هذا ما تحتفظ به ذاكرتي من وجع الماضي المرتكز في ذلك اليوم المشؤوم و ذلك الموسم الأسود في تاريخ الحركة التلاميذية بإمزورن، الذي حصد شهيدين، و الكثير من الجرحى و المعتقلين بالإضافة إلى المئات من المطرودين، إما نهائيا أو تعسفيا، و للإشارة فقد كنت أنا اتابع دراستي في السنة الثانية ثانوي (السابعة حاليا).

ناصر الحوزي تلميذ سابق و شاهد على أحداث 21/01/1987 في ثانوية إمزورن.

شهادة سعيد أكروح أخ الشهيد فريد أكروح:

خرج فريد من المنزل في العاشرة صباحا قاصدا لحضور حصة من العاشرة صباحا إلى الثانية عشرة، وبدخوله من باب المؤسسة وجد تجمع كبير من التلاميذ وسط الساحة أثار انتباهه ثم التحق بهم لتتحول الى مظاهرة احتجاجية، حينه تدخلت السلطة بأجهزتها القمعية لتفريق التلاميذ المتظاهرين مما أدى إلى انتشار الخوف والفزع داخل المؤسسة وبدأ التلاميذ بالهروب في كل الاتجاهات واتجه فريد ناحية الإدارة، وإذا به يلتقي بمدير المؤسسة ليقول له بالحرف “تعالى تعالى يا بني اختبئ في مكتبي” وبعد دخوله إلى المكتب وإقفال الباب عليه، قام مدير المؤسسة باخبار رجال السلطة بوجود تلميذ “مشاغب” داخل المكتب مختبئ، إذ قصدوه وقاموا بتعذيبه و ضربه بالهراوات و رفسه بوحشية شديدة في جميع انحاء جسمه دون تمييز حتى أغمي عليه، وبعد ذلك نقل في سيارة عسكرية إلى المستوصف المركزي بامزورن، وبعدما عاين الطبيب حالته، أمر بنقله وبسرعة إلى المستعجلات بمستشفى محمد الخامس بالحسيمة لأن حالته خطيرة جدا.

وعند وصول النبأ إلى عائلته، انتقل والد الضحية مرفقا بأفراد العائلة إلى مستشفى محمد الخامس للاطمئنان على الحالة الصحية لابنهم والوقوف على حقيقة الوضع، وبقيت العائلة في قاعة الانتظار إلى حدود الساعة التاسعة ليلا، لتتلقى بعد ذلك خبر وفاة أكروح فريد.

وفي اليوم الموالي للحادث قامت السلطة بنقل جثمان الشهيد إلى مقبرة سيدي أحمد التي توجد قرب مكان سكن العائلة بآيث بوعياش، تحت حراسة مشددة من قبل رجال السلطة لمنع عائلة الشهيد من رؤية جثمان ابنهما، إلا أن عزيمة الأم وإصرار العائلة والحاضرين على رؤية جثمان الشهيد، وبعد صراع مرير بين رجال السلطة والحاضرين تمكنت الأم والعائلة من رؤيته أخيرا، إلا أن المنظر كان فظيع ومؤثر مما أدى إلى إغماء الأم وبعض الحاضرين، ومباشرة بعد ذلك تداركت السلطة الوضع، وعززوا صفوفهم بقوات إضافية لدفن الجثمان – وفعلا كان لها ذلك – كما قامت بوضع دورية خاصة لمراقبة المقبرة على مدار 24 ساعة ولمدة ثلاثة أشهر.

وفي اليوم الثالث للحادث الأليم طلب عامل إقليم الحسيمة من والد الشهيد التنازل عن الدعوى، كأن شيء لم يحدث كما هدده واستفزه بأساليب مختلفة، وبقي الوضع على هذا الحال. إلى أن راسلت لجنة حقوق الإنسان أخ الشهيد أكروح سعيد بتاريخ 07/02/ 2004 لتكوين ملف خاص عن حياة فريد أكروح، ومباشرة بعد ذلك اتصل أكروح سعيد بالمدير الجديد لثانوية امزورن للحصول على شهادة مدرسية، إلا أنهما تفاجأ بوجود تاريخ طرد أكروح فريد من المؤسسة قبل وقوع الحادث مما أثار تعجب الطرفين، وزيادة على ذلك وجد تزويرا آخر في سجلات الموتى بمستشفى محمد الخامس، حيث سجل في أرشيف فريد أنه توفي وفاة طبيعية.

شعادة محمد خلقي امزورن في 21 يناير 2005:

ملحوظة: أعتذر لمن لم أذكر أسماءهم في هذه الشهادة لأن ضحايا هذه الأحداث كثيرون.

تخليدا لذكرى 21 يناير إليكم الجزء الأول من شهادة تلميذة عاشت أحداث 1987. هذه الشهادة التي كانت ستعرض في ثانوية إمزورن مساء يوم 21 يناير2014..اعتقدنا في ذلك الأربعاء الدامي أن الأمور ستتصاعد حد الموت بعدما وصل الحوار بين التلاميذ و الإدارة إلى نفق مسدود.

كان الإصرار و التحدي يسكننا لإيماننا بعدالة قضيتنا، و شرعية مطالبنا التي كانت على بساطتها بعيدة المنال. لقد حاولت الإدارة – بتحالفها مع المخزن و الأعيان – أن تثنينا بطرق دنيئة، متعمدة الطعن في شرف و أخلاق التلميذات المناضلات على الخصوص، و لعبت على هذا الوتر لحساسيته بالنسبة للمجتمع، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، فقد كانت عزيمتنا أقوى من كل شيء.

كان ذلك اليوم (الأربعاء) يوحي بأن الأمر جلل، فالأجواء كانت مشحونة و المكان كان مهيبا و الجمع غفيرا، و حين خيرنا بين الأمرين، كان أحلاهما مرّ: إما الاستسلام و كأن شيئا لم يكن، و إما إعطاء الأمر لتستباح حرمة الثانوية، فاخترنا التوجه إلى ساحة الرياضة للاعتصام، لكن قوات القمع اقتحمت المؤسسة بعد دقائق قليلة، ليقف التلاميذ لهم بالمرصاد، خصوصا الكبار منهم، فقد كان دورهم هو تعطيل الجحافل بالحجارة، حتى يتسنى للفتيات، و أطفال السلك الإعدادي الهروب من الخلف.

و قد كانت فرصتنا للنجاة ضئيلة، مما جعل أحد الطلاب يفتح باب بيته الذي كان يقطنه، لنختبأ نحن هناك، و يعود هو لأحد أقربائه في الخارج. إلا أن الأمر لم يدم طويلا، فقد سمعنا بأن قوات القمع تقتحم كل البيوت المجاورة، و هذا ما أدى إلى تأميننا للهروب من جديد صوب النكور، لنخلع عنا و نخبئ كل ما يوحي اننا تلميذات، في محاولة منا لتمويه العناصر الامنية و السلطاتعلى اننا لسنا من تلميذات الثانوية بالبتة.

و ما هي إلا ثواني معدودة حتى تم كسر باب المنزل و اقتحامه و العبث بكل محتوياته.. و شاءت الأقدار أن تكون وجهة بعض الطلبة هي مرافق المؤسسة الداخلية (القسم الداخلي و المراحيض) لأنها كانت الأقرب،كما هو الشأن بالنسبة للشهيد فريد، ذلك الشاب اليافع الطويل القامة، و القوي البنية، الأسمر اللون، الهادئ الطباع.. كان في سنته الأخيرة بالثانوية. لم تتح له فرصة الخروج، فتوجه إلى المرحاض ليختبئ هناك، غير أن أحد الحراس دل آلة القمع على مكانه، فأشبعوه ضربا بالهراوات إلى أن سقط مغشيا عليه و فاقدا للوعي، و ظل ينزف لمدة طويلة ليتم سحبه باتجاه الإدارة و إلقائه على البلاط في جو من الارتباك و التخبط الشديد، و كل واحد منهم كان يحمل المسؤولية للطرف الآخر. ووسط هذا الجدال و النزاع ظل فريد ملقى على الأرض يئن بصمت، و لم يتم إسعافه بسرعة، و لم يدري أحد منا ماذا جرى إلا بعد أن تناهى إلى أسماعنا صوت سيارة الإسعاف الذي اخترق جدار صمت لف إمزورن في ذلك اليوم الحزين. كان السائق يسابق الزمن عله ينقذ الجريح، و ما إن وصل إلى المستشفى و عاينه الأطباء و تأكد الجميع أنه ميت لا محالة، أسلم فريد روحه الطاهرة في تلك الليلة، على سرير العار و البؤس، و قد يكون نفسه سرير فاطمة! من يدري؟
أما سعيد بودفت ذلك الطفل البريء الصغير السن، لم تكن له علاقة بالإضرابات لا من قريب و لا من بعيد، فقد كان في الفصل مع زملائه، و حين أرسلته أستاذته لإرجاع دفتر النصوص إلى الإدارة، باغثته العناصر الامنية –في ساحة المؤسسة- بالضربات كالصاعقة من كل الجهات.. ولم يرحموا صغر سنه و لا إعاقته الجسدية، وقد دافعت عنه أستاذته و انتشلته من براثينهم. و لما عاد إلى البيت ساءت حالته و ارتفعت حرارته، فظل يتقيأ دما مما يوحي بأن نزيفا داخليا قد أصابه، و كان لنا زميل في القسم يشاركه المسكن، فلم يجد حلا إلا اللجوء إلى صاحب البيت لإخباره بخطورة وضعية الطفل، فرافقه لتفقد الوضع إلا أنهم ظلوا يطرقون باب البيت دون مجيب، فاضطر رفيقنا لتسلق الحائط و عند نزوله كانت الصاعقة.. لقد وجد سعيدا ميتا دون حراك، و هو جالس متكئا بظهره إلى الحائط.. فظل صاحبنا يصرخ بلا مجيب. و في الصباح انتشر الخبر كالنار في الهشيم، فكان رد فعل التلاميذ أن تصرفوا بسرعة كي لا تتدخل قوات القمع، فتمت مراسيم الدفن بسرية تامة، و بكاه الجميع و ودعوه بشعارات جد مؤثرة، وقد كانت هناك صور لجنازته لا أدري هل لا يزال أحد منا يحتفظ بها لكثرة ما نقلناها من بيت إلى بيت، خوفا من المداهمات و الاعتقالات.

بعد الصدمة الأولى جمعنا شملنا ثانية، و توجهنا إلى الثانوية بعزيمة من حديد و الحزن يسكن الجميع و كان الشعار الأكثر تأثيرا في القلوب هو: ”حقوقنا طالت علينا فريدنا مات شهيدا _ حقوقنا طالت علينا سعيدنا مات شهيدا” .. و هكذا ظلت الأمور بين الإدارة، في شد و جذب بين اعتقالات مكثفة في صفوف الناشطين، و طرد تعسفي لكثير من التلاميذ و انتقالات تعسفية بالجملة. و قد كنت أنا تلميذة في السنة السادسة ثانوي شعبة الآداب وقد تعرضت أنا الأخرى للطرد التعسفي.

ملاحظة: التلميذة تتحفظ عن ذكر اسمها نظرا لأنه محاط بسياج من المحافظة و الاحترام.

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: